ورطـــــــــــــاس، واو اللــــــوث
محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
موقع المنطقة على الخريطة
مقتطفات من كتاب " بنو يزناسن عبر الكفاح الوطني " للأستاذ قدور الورطاسي رحمه الله... بتصرف. عين واولوت : عبارة عن بحيرة صغيرة ومن مائها تتغذى الحدائق الجميلة. وبجوارها قرية تيزي يخلف، التي يسكنها السادة " لقوارط " ذو الوطنية التي لا تزعزعها الأحداث والأطماع. وبمقربة منهم توجد قبة الولي س. عبدالمومن جد آل الورطاسيين بمدشر تيزي يخلف ( واواللوث) . تذكر بعض الروايات أن هذا الولي قد استوطن بني يزناسن حوالي القرن الخامس أو السادس الهجري. وفي عهد الكفاح المسلح الجزائري كان جيش التحرير الجزائري يحتل منزلا واسعا هناك، وغربي هذه البحيرة توجد قرية تزغين التي يسكنها السادة التغاسروتيون . ويذكر أن س. الحاج لحسن جد آل وكوت و س. عبدالمومن جد آل الورطاسيين من مهاجري الأندلس ( قرطبة ). وعلى ذكر ورطاس أذكر أن هذا الوادي الذي يسكنه الورطاسيون يوجد له نفس الاسم بالأندلس كما توجد عائلة إسبانية أندلسية تلقب ب : ورطاس ولا تزال عائلة منها في أبركان. فمن الممكن أن يكون السكان الأصليون لهذا الوادي أو هذا المسيل على الصحيح قد استقر فيه بعض الأندلسيين وقتا قصيرا ثم رحلوا عنه وأنهم هم الذين أطلقوا عليه اسم واد ورطاس كتسلية عن واد ورطاس الموجود بالأندلس. ( انتهى كلام الأستاذ قدور الورطاسي رحمه الله ) ملحوظة :هناك من يقول أن أصل تسميتها يرجع إلى الأمازيغية " أور أطَّسْ " our attas أو إلى الإسبانية ( las huertas ) التي تعني حدائق صغيرة أو فدادين التي تنتج مختلف الخضروات. من بين الألقاب العائلية للورطاسيين نجد: العمراوي، طاهري، عابدي، يوسفي، بنسالم، شريفي، رفاعي، حساني، ورطاسي، مومنة، مومني، مسعودي، بنسعيد، طالبي، شراك، عكيف، فاريد، حمزاوي، جليل، صباني، جعقوق، الغرناطي... (منقول عن موسوعة مدينة بركان الإلكترونية )
تدوينة للأستاذ كمال مسعودي
بواواللوث عدة دواوير : هناك دوار إمهليون وهم من تغاسروت إفران يعقوب وهم أيضا من تغاسروت بالإضافة إلى إندلاس وهم مهاجرون أندلسيون. ياث عبد الله وهم من حفدة س. عبد المومن دوارهم كان يسمى تيزويغت وحباسا. القوارط وهم أصحاب الأرض وأقدم من سكنوا المنطقة وكانوا يملكون أراضي كبيرة في بركان مثل بويقشار، الأندلس، لبني الجديد، حمزة ... وهم من آث ميمون أبناء عمومة بني مهدي .وكانوا يتمركزون في تيزي يخلف وحباسا . أهل بيدر وهم أحفاد س. عبد المومن دفين بيدر في التراب الجزائري قرب السعيدية. دوار عثمان كان في الأصل تجمع لأناس هاجروا من بني وشكراد وبني ميمون وبني بويعلى .. إوزغورة وهم من لحساينة يسكنون قرب إفران يعقوب . أولاد العوش وأولاد برابح من بني موسي الروا ويسكنون تاوريرت نتفويت . إعايدين يسكنون على الضفة اليمنى لنهر بوهرداز قرب الشرشار وهم من أهل تازغين
لـــمقــــام
على بعد بضعة كيلومترات شطر جنوب مدينة بركان، وعلى مشارف كلتة واوللوث، يوجد ( لمقام) وهو بناية تاريخية يمتد وجودها إلى عهد قديم، وارتبط حضورها في الذاكرة الشعبية بقصص وأساطير، لازالت تذكر على الألسن، وتتناسل أحداثها عبر تعاقب الأجيال كأقوى مؤثر يشد الاهتمام إليه من طرف سكان المنطقة وحتى من الوافدين إليها من مناطق مجاورة، وسمي هذا المكان بهذا الاسم كما تلمح به الرواية الشفهية المستمدة من أقوال الأجداد، كون أحد الأولياء ويرجحه غالبية الناس عبدالقادر الجيلاني، وفد على هذه المنطقة في طريقه إلى وجهة معينة، فأقام مدة من الزمن بمكان بجانب ضاية واوللوث، من أجل الخلوة والتفرغ للعبادة، ومع توالي العصور والأحقاب، أصبح يطلق عليه لمقام لمكوث ولزوم الولي الإقامة فيه، فاحتل مكانة متميزة في الوسط الشعبي لما أصبح يمثله من حرمة وقدسية. وكان يؤثث هذا الفضاء ككل صبيحة يوم الجمعة، جمع من النسوة غالبيتهن من كبار السن والأرامل، يسمون لفقارات، حيث يصدحن بابتهالات شجية للمديح والصلاة على أحسن خلق البرية، وربما أطلق عليهن هذا الاسم لدلالة وجوهر الكلمة الذي يفيد الانقطاع والافتقار إلى العبادة، بالموازاة مع هذه الأجواء الحافلة بالذكر والتهليل، كانت تتخلل وتتداخل بعض الممارسات الغريبة، شبيهة بعادات دأب عليها البعض، إذ هناك بالمنحدر أسفل لمقام، تكون شرذمة من الفتيات العوانس على موعد مع ممارسة بعضا من الطقوس التي قد يمليها عليهن مشعوذ، أو دجال سعيا وراء تعزيز حظوظهن في الظفر بفارس الأحلام، ولن يتأتى لهن تحقيق ذلك إلا بوجوب القيام بعملية الطواف حول البركة سبعة مرات، ودون توقف، وينتهي هذا العمل بالاستحمام، ثم الصعود إلى لمقام للتبرك وأخد( لحريف)، وهو أصلا قطع صغيرة من السكر يوضع في طبق يتوسط لفقارات، ويتلى ويقرأ عليه الذكر ،وشيئا من الدعوات المأثورة لأجل تحقيق الحاجة.
بناية ضيعة بلحاج العريقة في خبر كان
بعد مرور مايقارب قرن على تشييدها من قبل المستعمر الفرنسي،امتدت أخيرا أيادي الهدم ونسف للثراث المادي،لتطال بناية ضيعة بلحاج العريقة. كان من اللائق والأجدر أن تبقى هذه البناية شامخة،وصامدة في وجه عوادي الزمن، جعلها موروثا تاريخيا لساكنة مدينة بركان،وواوللوث خصوصا،لكن عقلية الجنوح إلى كسب الأموال الطائلة تحت ذريعة الزحف العمراني المتواصل،أمر فرض نفسه بإلحاح على ورثة بلحاج،إذ أصبح هاجسهم هدم البناية،والإجهاز عليها،وبالتالي بيع الأرض التابع لها لشركة العمران،من أجل إقامة تجزئة سكنية. وإنصافا لتاريخها المشرق،ودورها الريادي فيما لعبته من دور في دعم بعض الشعوب المستعمرة،وتقرير مصيرها،هذه لمحة مختصرة عن تاريخ هذه الضيعة ، أو بالأحرى البناية. كانت ضيعة بلحاج مقرا قياديا للجيش التحرير الجزائري،وبداخل أسوارها العالية عقدت اجتماعات سرية،وأبرمت اتفاقيات بين أعضائها،مثل هواري بومديين، بن بلة، بوضياف،كما احتضنت زعماء أفارقة خلال فترة استعمار بلدانهم، وعلى رأسهم الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا الذي تدرب وتمرن فيها على حمل السلاح،وظل اسم هذه الضيعة رديفا لشخصية بلحاج نسبة لهذا الرجل ذو الجنسية والأصول الجزائرية،وكان يعمل كمساعد لكبار المعمرين الفرنسيين الدين استولوا على أجود الأراضي الفلاحية، ومع استقلال المغرب،ومن منطلق حسن الجوار ورابطة الدم سلمت هذه الضيعة لبلحاج بعدما اشتراها إلى جانب مجموعة من الضيعات بثمن بخس،وبعد أن رحل بلحاج إلى دار البقاء ظلت هذه الضيعة إلى يومنا هذا مقرونة بهذا الاسم. بعض صور الألبوم أسفله للوجه الداخلي للبناية التاريخية لضيعة بلحاج بواوللوت، التي هدم جزء منها، فيما ظل الجزء المتبقي ينتظر الضوء للإجهاز عليه كلية، وهو عبارة عن سكن يأوي أسرة فقيرة، أصبحت تسعى جاهدة، وتسابق الزمن من أجل البحث عن سكن لائق. ويبدو بجلاء آثار وبقايا الفن المعماري الكولونيالي واضحة معالمه بقوة، ليشهد على مرور حقبة ذهبية من تاريخ هذه البناية التاريخية.
مسجد دوار ثِيزِي يٓخْلٓفْ بواولوت
مسجد قديم بدوار ثِيزِي يٓخْلٓفْ بواولوت، قبالة الولي س. عبد المومن بوقبراين، مسجد بني فوق تلة مرتفعة، لكنه ظل على حاله كما عهدته منذ الصغر، اللهم بعض الإصلاحات و البنايات التي انضافت إليه، إلا أنها لم تضف عليه مواصفات مسجد بإمكانه التوسع و جعل صومعة له كباقي المساجد المجاورة، شاءت الصدفة أن أمر بمحاذاته، فغلبني الفضول أن أتطلع إلى داخله و أتصفح بنيانه، لأقف على بعض التغييرات التي طالته لكنها لم ترق به إلى مصاف المساجد المعلومة، كنت أتوقع مع ارتفاع الكثافة السكانية بالدوار أن تكون هناك التفاتة قيمة، لكنها بتواضعها لم توف المسجد حقه.
واواللوث
لكل شعب أساطير وخرافات،وفي أكثر من مدينة مغربية توجد أساطير عجائبية رائعة، بدورها منطقة بني يزناسن تعج بأكثر من عشر حكايات أسطوية ،ليس الإغريق وحدهم من نسجوا أجمل الحكايات الجميلة ذات الخيال المجنح، وليست السينما الدقيقة في العصر الحالي وحدها من لمعت في إنتاج أفلام في منتهى الروعة وجمال علم الوهم، أيضا المخيال الشعبي والثقافة الدينية لعبا دورا مهما في منطقة بني يزناسن في نسج عدد من القصص في منتهى الروعة والجمال والجاذبية، ياترى أين هي الحقيقة في ما يأتي، هذه الميتولوجيا تحتاج إلى التفاعل كل حسب منهجه وذوقه ورأيه، جميع الآراء تحترم ،أنتظر آراءكم. يحكى أن عبد القار الجيلاني (470-561) (1077 -1168) و بومدين الغوث المعروف ب "لمغيث" وهذا هو اللقب المتداول بين العامة في بركان (509 -594) (1126 -1198) ومعهما رجل ثالث اختلفت الحكواتيات حول شخصيته ،لقد قالت بعض الحكواتيات هو عبد الرحمان المجدوب(توفي 976 هجرية /1568 ميلادية ) وهن قلة، وقالت أخريات هو المتصوف عباس السبتي( 1129-1204) وهن قلة أيضا ، وبجانب هذين الرأيين قال أصحاب رأي ثالث : هو رجل صوفي اسمه"أحمد لغْريبْ" - وهو رجل عالم وصوفي وولي من أولياء الله لا هوية له محددة بالاسم والنسب وتاريخ الازدياد وتاريخ الوفاة او أحدهما - و هو المتفق عليه عند أغلب الحكواتيات والحكواتيين ، ، كما ذهب رأي آخر إلى أنه هو الشيخ الكامل( 1467-1526) وهو رأي ضعيف لم أجده إلا عند فقيرة واحدة وهناك رأي أخر ،قالت به فقيرة وحيدة هو أن هذا الرجل الثالث في الخرافة هو "سيدي عبد الرحمان المجدوب" (توفي سنة 1568) وهو ضعيف أيضا ،عموما هؤلاء الرجال ثلاثة: عبد القدر الجيلاني وعباس السبتي وأحمد لغريب وهم من المتصوفة نزلوا ب"دشيرة واولوث" وهي تجمع سكني كان موجودا حيث الضاية ، وهم في حالة يرثى لها، نتيجة تعرضهم لوابل من التساقطات ، ولبرد وجوع وعياء ، لقد طلبوا استضافة أهل "دشيرة" ، لكن أغلقت جميع الأبواب في وجوههم باستثناء باب امرأة عجوز اسمها "ثاميمونث ، ،التي استأذنتهم في الدخول إلى "عشتها" أي مأواها الفقير، ورحبت بهم ، وجففت بللهم ، واستوقدت نارا لتدفئتهم ، ثم شرعت تطحن إكراما لهم حفة من الشعير ليسدوا بها رمقا ، وأثناء تحريكها للرحى ،شعرت أن مقدار الطحين الذي يخرج من تحت صخر الرحى أكبر من حفة الشعير التي ترميها في ثقب الرحى ،ازداد فضولها وقوي إيمانها لغرابة المواقف التي تعرضت لها تباعا مباشرة بعد أن فتحت بابها للضيوف ،فطلبت من ابنتها أن تنحر لهم معزة وحيدة كانت تملكها ،بعد أن أكل الرجال المتصوفة الثلاثة الطعام وشبعوا، مسح الرجل الصوفي عبد القادر الجيلاني بيده على عينيها فإذا بها تحس بجلو الظلمة من أمامها، فرأت عنزتها حية مربوطة إلى الشجرة، ورأت وجه ابنتها، ورأت الطحين يملأ كل جنبات "العشة"، لقد استنتجت "ثاميمونث"أنها أمام رجال لهم من الكرامات ما يشبه المعجزة، وازدادت سعادتها لكونها مبصرة. بعد أن أخد الرجال الثلاثة قسطا من راحتهم، وبشروها بالحياة المطمئنة ، طلبوا منها أن تغادر عشتها ،وتتبع كلبتها ، وتسكن بجوارها، فحيث تضع الكلبة جرائها فثمة الأمن والسكينة، أما أهل "دشيرة" فإنهم ليسوا من أهلها، فلقد ارتكبوا جرما يستحقون عليه العقاب؛ غادر الرجال الثلاثة المكان دون أن تشعر بهم، وفيما هي تجمع متاعها، لاحظت أن كلبتها تحمل جرائها، تبعتها وهي متجهة نحو الأكمة لتستقر تحت سدرة كثيفة، ثمة وقفت العجوز وكان المطر لا يزال يتساقط بغرارة ، أنزلت العجوز متاعها تحت السدرة وانكمشت تحتها تحتمي من الوابل ، فجأة، وعلى مقربة منها على قمة الأكمة، ظهر مجددا أحد الرجال الثلاثة ليكلم "ثاميمونث" في موضوع أهلها ويخبرها أنهم غارقون لامحالة جميعهم ، ويطلب منها أحدهم أن تغلق عينيها هينهة ، لتكتشف بعد فتحهما أن ابنها الذي كان غائبا لسنوات طويلة عنها واقفا أمامها وهو ما يزال طفلا دون الرشد.، عانقت ابنها بعد طول الفراق فرحة برجوعه ، ثم حزنت على أهلها الذين غرقوا تحت الماء، فجأة عاد الرجل الصوفي عبد القادر الجيلاني نحوها وهو يشير الى "كرمة التين السوداء / تيزي أُوفورالْ قائلا: إن عند جذعها لمطامير مملوءة بالشعير، تكفي لسنوات عجاف من الجوع والقحط، ثم حلق عاليا بعد أن تحول إلى باز كبير اتجاه الكرمة ،وغاب عن النظر.
عين واولّوث بين الأسطورة و الحقيقة
عين تبعد عن إقليم بركان في اتجاه الجنوب بثلاث كيلومترات، متاخمة لجبال بني يزناسن، عرفت توافد المستعمر الذي جعل منها قلعة عسكرية استرايجية، لبسط نفوذه و تأمين سيطرته على باقي المنطقة، و مراقبة الجوار لحماية مصالحه الاقتصادية، اعتبرها مصدرا أساسيا للري لما تزخر به من مياه باطنية تتفجر بين حين و آخر، لتتجمع على شكل بحيرة دائمة الجريان، تنساب بين أودية تُستغل في سقي المغروسات الفلاحية و الشرب الآدمي و الحيواني، مما جعلها محط اهتمام المستعمر الذي لم يكن اختياره للمنطقة جزافا، بل خطط و دبر باستراتيجية محكمة لاستنزاف خيراتها، فكانت عين واولوت ضمن هذاالمخطط الاستغلالي لتنمية مجاله الفلاحي، و إنعاش منتوجه بتطوير آليات الري، و مد الأراضي المجاورة للعين بقنوات سقي المزروعات خاصة الكروم و خضروات تسويقية. لتوسيع أطماعه الاستنزافية فقد سخر خبثه الاستعماري في استغلال سذاجة أهل المنطقة، و محدودية فكرهم الذي لا يتعدى توفير قوتهم اليومي، بأن قام بترويج أساطير و روايات عما يظهر في العين الذي يأخذ شكل حوت ضخم أطلقوا عليه إسم" مسعود"، يلتهم كل من تجرأ على الاقتراب من البحيرة أو الاعتداء على مياهها، فنسجوا في حقه الكثير من القصص و الروايات عن غرق العديد ممن تجرأوا على الاقتراب من مملكته الغارقة تحت الماء، فتمكنوا من إرساء معتقدات استبدت بالعقول، و لفَّفَتها بخرافات صدقت بها و سعت من خلالها إلى إرضاء رغباته بطلبات تُخمد ثوراته الانتقامية، فجعلوها ذبائح لها مواصفات خاصة، هي وحدها ما قد تهدأ من روعه، لذلك فالدجاج الذي يذبخ فجرا عند رأس العين حيث مملكة" مسعود" يكون سبيلا لتهدئته بعد إلقائه في غمرته، لكنه في حقيقة الأمر لم يكن سوى تهدئة لبطون المستعمر الجائعة، الذي كان جنوده يتسحبون إلى العين مباشرة بعد مغادرة أهلها، لجمع الذبائح المتناثرة فوق المياه و جعلها لقمة سائغة تسد الرمق في انتظار ما ستجود به باقي الأيام المقبلة. معتقدات استعمارية ذو حدين، القصد منها تخويف أهل المنطقة من استغلال مياه العين التي يحرسها" مسعود"، لتكون تحت تدبيره فقط دون أن يشاركه في ذلك أحد حتى لا تنضب فتتعرض مصالحه الفلاحية للإتلاف، و لم تقف أطماعه الاستنزافية عند هذا الحد، بل طالت المنتوجات المعيشية لأهل المنطقة من الدواجن و المواشي لنهبها بطرق ملتوية ماكرة، بترويج الخرافة و ممارسة طقوس مبتدعة تَقيهم بطش" مسعود"، فتُقدَّم له القرابين لاتقاء شره الذي يقابله في حقيقة الأمر شر و تنكيل المستعمر، و كل متمرد ثار على الخرافة التي صنعها بحرفية و إتقان، يساق إلى ضيعاتهم للعمل بالمجان على أن يودع السجن إذا لزم الأمر ذلك حسب سلطتهم التقديرية، يساعدهم في ترويج هذه المعتقدات و نفث سمومها مصلحيون خونة يسترزقون من سذاجة أهل المنطقة، ليمتصوا خيراتهم فيقدمونها لمن لا يستحقها، و لما عشَّشت الخرافة في العقول، هامت بالفكر إلى ابتداع سلوكات اعتقادية بكرامات " مسعود"، و خوارقه في شفاء الأمراض المستعصية، فصار كل مستضعف يقصد العين يتبرك ببركته فجرا كما اعتادوا عليها أيام الاستعمار، ليستمر هذا الطقس لأجيال متعاقبة، و استزادوه بدعا أخرى مقترنة بتقديم القرابين طلبا للشفاء و قضاء الحوائج و ليس لاتقاء شر" مسعود" كما كان في السابق، و لما كانت الخرافة لصيقة بالمستعمر و أصحاب المصالح و النفوذ فقد كرسوها و أنبتوها لتتجدر أكثر من أجل الحفاظ على مكانتهم داخل العشيرة، فالمعتقدات الخرافية لم تكن وليدة لحظة و ينقضي أثرها التدميري، بل لها امتداد تاريخي ضارب في القدم، مما جعل النفوس مهيئة للإعتقاد و التصديق بها كما حدث مع عين واولوت، التي نُسجت في حقها الكثير من الأساطير القديمة التي أثثت الموروث الثقافي للمنطقة، و تداولها العديد من المهتمين بالدراسة، و النبش في الذاكرة الشعبية لاستنباط الخفي منها و استقرائه وفق ضوابط يتقبلها العقل و الدين، و لما كانت جبال بني يزناسن محجا لمتصوفة فارين من بطش حكامهم لممارسة خلوتهم بين أدغالها الوعرة، و استقطاب مريدين لهم يستقوون بهم، فقد كان لأسطورة عين واولوت ارتباطا بكراماتهم، حسبما تواترته الروايات الشفوية عن عجوز عمياء سكنت مكانا و عشيرتها قبل أن يتحول إلى بحيرة مائية، و قد اختلفت مسمياتها بين" تاميمونت" و" لالة واولوت"، كانت تعيش بما تجود به معزتها من حليب و مشتقاته، تٌقاسمها الخيمة كلبة بجرائها، تَصادف يوم أن طرق بابها ضيف أو ثلاث حسب اختلاف الروايات، و طلبوا استضافتها لهم فلبت النداء، و أكرمت وفادتهم بمعزتها التي هي مصدر قوتها، و لما انبلج الصبح طلب منها أحدهم استحضار جلد المعزة فتمسح به لتعود إليها الحياة من جديد، كما حوَّل حشيشها و هي تطحنه إلى دقيق تكاثر حتى ملأ الخيمة، و دعاها إلى إخبار عشيرتها بترقب الكلبة أينما حلت بجرائها فثم مستقرهم الجديد، فلبى الكثيرون نداءها و تبعوا الجراء و أمهم إلى سدرة كثيفة، و في لحظة هبت عاصفة هوجاء مصحوبة بأمطار قوية حولت المكان إلى طوفان أغرقت كل من تعجرف و أبى اللحاق بعشيرته، فكان أن تحول ذلك المكان إلى عين تتدفق منها المياه دون انقطاع و سموها" عين واولوت"، و يقال أن الشخص صاحب الكرامات الذي أرجع للعجوز بصرها و أنقذها و عشيرتها من الغرق هو" عبد القادر الجيلالي"، الذي أقيم له ضريح في الجهة العليا المقابلة للعين، كما بنوا بجانب السدرة التي لمت العشيرة قبلا" مقاما" تجتمع فيه النسوة لممارسة الحضرة الصوفية و توزيع البركات على الزوار" الحرِّيف"، أسطورة كباقي الأساطير عند الإغريق و غيرهم ممن أبدعوا في نسج قصص بخيالهم الواسع، و براعتهم في التنقيب عما يسلب العقول و يستهويها، فكان للخوارق نصيب أوفر منها، مما يُترجم الخواء النفسي عند الإنسان و حاجته إلى ما يملأ به ذلك الفراغ الذي يستشعره، فكان لا بد أن يسعى إلى تصديق تلك الأساطير و البحث عن تجسيد لها على مستوى الواقع، لذلك كان للأضرحة و الروضات وجود احتاج إليه و ساهم في إنباته، ليمارس من أجله طقوسا ليست من الصوفية في شيء، فساد الاعتقاد بالخرافة و تقديس القبور و الأضرحة و المزارات، و ممارسة الشعوذة بتعليق التمائم و الأقمشة على فروع الأشجار المجاورة للضريح، و الطواف حوله تبركا به و استجداء لبركته، و بركة" مسعود" عند العين، في اعتقاد منهم أن هذه المزارات تتضمن سحرا خفيا بإمكانه قضاء الحاجات، لذلك باتت تحتل مكانة مهمة في الثقافة الشعبية التي أثثها أهل المنطقة بمعتقداتهم. من هاته الأساطير استسقى المستعمر بدهائه قصة المملكة تحت الماء و ملكها" مسعود"، ليبسط نفوذه بتدمير العقول بالخرافة و الدجل و تقديس الأضرحة، لتكون عونا له على استنزاف ما تجود به الأرض من خيرات، لكن محدودية الفكر، و غياب المنطق في تحليل الظواهر الطبيعية من غيرها، جعلهم يرتمون بين براثن معتقدات خرافية كان لها أثر سلبي على الأجيال المتعاقبة التي لم يكن حظها أوفر من سابقاتها، بل كرست تلك الطقوس و أبدعت فيها إلى درجة جعلوا العروس إذا مرت بجوار ضريح" عبد المومن بوقبراين" و لو عن بعد تترجل عن حصانها، فيضعون فوق رأسها قبة من الحَلْفاء لتتابع طريقها مشيا حافية القدمين إلى غاية بيت الزوجية، توجسا من أن تصيبها لعنته إذا فعلت غير ذلك. معتقدات لها صيرورتها التاريخية و طالها الانحراف عن المسار الصحيح الذي جاء به المتصوفة لتنوير العقول، و تفتيقها على أشياء فيها من المنطق المتشبع بالدين، لكن لكل زمن رجالاته الذين تميزوا بالشجاعة في مواجهة المعتقدات الخرافية باستنادهم على ما اكتسبوه من علوم في الفقه و الحديث و التزموا بنشره، و منطقة" واولوت" لم تخلو من مثل هؤلاء الرجال، نخص بالذكر لا الحصر السيد" احمد الوشكرادي" الذي كرس حياته في محاربة الطقوس و التعاويذ، و السلوكات الخرافية التي تمارس حول العين و بجانب الضريح، و لم يتوانى لحظة في التخلي عن مشروعه الدعوي، لتصحيح المفاهيم و تنوير العقول رغم ما جوبه به من جفاء و إقصاء لمخالفته العامة في معتقداتهم، و قد تمكن من تخفيف حدتها، دون أن يثني ذلك من عزمه، بل استمر على دربه إلى أن وافته المنية، أراد للجميع أن يدركوا أن عين" واولوت" التي يتبركون ببركاتها طلبا لقضاء حاجاتهم ليست كما يعتقدون، بل هي مجرد منبع مائي انفجر من باطن أرض متشبعة بمياه جوفية كباقي العيون المتناثرة بجبال بني يزناسن، و لا تستحق منهم كل ذلك التقديس، و نفس الشيء بالنسبة لما يمارس من شعوذة و دجل بضريح الولي، و كذلك التبرك بالأحجار و التمسح بالتراب و العويل عند الأولياء، سلوكات تعيد إنتاج الجاهلية لكن بصورة مختلفة عن سابقتها. انحراف الصوفية عن مسارها أغرق المجتمعات في الخرافة من أجل الحفاظ على نفوذها و مصالحها، و الإبقاء على الرباط الذي يجمعها بمريديها، و تجاوزها يحتاج إلى زمن للمأسسة لفكر تنويري يجمع بين المنطق و الدين، وفق رؤية تحليلية مبنية على البحث و تقصي الحقائق و الاستفسار في شأنها.
صـورة وتعليـق
صورة تؤرخ لشهر يناير أو فبراير من سنة 1908 - لعين واواللوث المصدر : الموقع فرنسي études coloniales يقول الموقع المصدر أن هذه الصورة تدخل ضمن أحداث ( الحدود الجزائرية – المغربية ) التي شهدتها المنطقة خريف 1907 قبيل احتلال وجدة والنواحي. كتب على ظهر الصورة طبيب مساعد ماجور médecin aide – major (يجهل اسمه) في الوحدة المتنقلة الطبية بسيدي اجمد أبركان.
صورة قديمة لعين واواللوث
الإمام المحفظ سيدي محمد بن عمر رشدي الورطاسي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. كان إماما ومحفظا لكتاب الله بمسجد سيدنا مصعب بن عمير بركان تدوينة للأخ محمد جفالي