محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
ذ. مجيد خروبة
ذ.مجيد خروبة باحث في ماة الجيولوجيا العيون الشرقية
قـائمـة محتـويـات الصفحـة - ثاغنسث أو الغنسة: رداء التراث والهوية - الختان من تحت ظلال شجرة " ثاخليجث نحدجام" العريقة - الأشجار المعمّرة حول الأضرحة بين سلطة الأولياء وقدسية المكان: دراسة أنثروبولوجية - نوستالجيا الزمن الجميل: الطقوس التي تسبق العيد - التعاونية الفلاحية: دراسة جغرافية وتاريخية - المونوليث الصخري في بني يزناسن - الغرب التافوغالتي سيمفونية الطبيعة - منتزه حرازة بوفلجات: مشهد طبيعي وتاريخي
ثاغنسث أو الغنسة: رداء التراث والهوية
في عمق التراث الأمازيغي، تتجلى ثاغنسث كقطعة نسيجية ينسج بين خيوطها عبق العادات العريقة وأصالة الماضي. لم تكن مجرد لباس يستر الجسد، بل امتدادًا للحياة اليومية، إذ جمعت بين البساطة والوظيفة، وعكست في تفاصيلها مزيجًا من الحنان والقوة. يُصنع هذا الرداء التقليدي عادةً من القطن أو الصوف، مما يضفي عليه طابعًا عمليًا يتلاءم مع مختلف الظروف المناخية. وتختلف طرق ارتدائه حسب المناطق والعادات؛ إذ تستخدمه بعض النساء كغطاء يشمل الرأس، بينما يكتفي البعض الآخر بلفّه حول العنق. لكن دوره يتجاوز كونه مجرد قطعة ملابس، ليصبح أداة أساسية في حياة المرأة الأمازيغية، حيث يُستخدم لحمل الأطفال على الظهر، مانحًا إياهم الدفء والأمان، أو يُستغل لنقل الأمتعة أثناء التنقل والعمل، في تجسيد لدور المرأة المحوري في المجتمع التقليدي. تحمل ثاغنسث في دلالاتها معاني الشدّ والربط، فهي ليست مجرد رداء، بل صلة وثيقة بين المرأة وواقعها، وبين الحاضر والماضي. وقد شهد هذا الرداء تطورات عبر الزمن، حيث أُدخلت عليه تحسينات في الزخرفة والخياطة، ليُعرف اليوم بأسماء متعددة مثل "الكاب" أو "الغنسة" أو "ثاغنسث"، في محاولة للحفاظ على جوهره التقليدي مع مواكبة متطلبات العصر. وهكذا، تظل ثاغنسث أكثر من مجرد قطعة قماش؛ إنها رمز لهوية متجذرة، تحكي قصة نساء حملن التراث فوق أكتافهن، ونقلنه عبر الأجيال. فهي نسيج مادي وثقافي، يشهد على صمود التقاليد التي لا تندثر و رمضان كريم للجميع.. الصور المرفقة من ويكيبيديا.
الختان من تحت ظلال شجرة " ثاخليجث نحدجام" العريقة
من تحت ظلال شجرة " ثاخليجث نحدجام" العريقة، تجتمع الذاكرة الجماعية، حيث تترابط الأسطورة بالتاريخ، وتتشابك الطقوس بالموروث الثقافي العميق. هذه الشجرة ليست مجرد نبات ضارب في الأرض، بل كيان رمزي يختزن حكايات الأجيال، شاهدة على تقاليد كانت تقام منذ عقود، حيث كان الأهالي الزناسنيون يلتئمون في حضنها، في ذلك الفضاء المقدس الذي تماهت فيه الطبيعة مع الإنسان. كانت "ثاخليجث نحدجام" ملتقىً روحيا واجتماعياً، حيث يأتون بالحجّام ليختن الصغار، وسط طقوس تحاكي امتداد الجذور في الأرض، كأنما الختان لم يكن فقط عبوراً إلى الرجولة، بل انغراساً أعمق في الهوية الجمعية. هناك، بين همسات النسوة، وأناشيد الفرح، وصرخات الأطفال الأولى، كانت هذه الشجرة تحتضن لحظات التحول، رمزاً للأمان والتقاليد الراسخة. وربما لم تكن مصادفة أن تُختار هذه الشجرة بالذات، فهي ليست مجرد عرعارٍ مسنّ( اخليج أملزي)، بل كائنٌ حيّ، حمل ذاكرة المكان، ورسّخ حضور الماضي في الحاضر، حيث لا تزال جذورها تغوص عميقاً في الأرض كما تغوص الأساطير في الوجدان الشعبي. إنها ليست مجرد شجرة، بل أرشيفٌ حيّ لثقافةٍ شفوية، متوارثة، تحكي عن تقاطع الإنسان مع الطبيعة، وعن طقوس اجتماعية تجعل من كل عنصر طبيعي جزءاً من النسيج الثقافي والرمزي للأمة. الصورة لأخليج أو ثاخليجث نحدجام من منطقة ثازقا شمال قبيلة لعشاش بني محيو.. قرب الحدود مع اولاد سعيد العرعار.
الأشجار المعمّرة حول الأضرحة بين سلطة الأولياء وقدسية المكان: دراسة أنثروبولوجية
تمثّل الأضرحة في المخيال الشعبي مراكز للسلطة الروحية، حيث يُنظر إلى الأولياء باعتبارهم وسطاء بين العالم الدنيوي والعالم الغيبي. وتمتد هذه السلطة لتشمل الفضاء المحيط بالأضرحة، مما يكرّس مفهوم "المكان المقدس"، الذي لا يقتصر على البعد المادي فقط، بل يشمل أيضًا العناصر الطبيعية المحيطة به. وتُعَدّ الأشجار المعمّرة أحد أبرز هذه العناصر، إذ يعتقد الناس أن البركة المتصلة بالأولياء تمتد إليها، مما يمنحها بُعدًا روحانيًا ويجعل المساس بها أو قطعها أمرًا محفوفًا بالمحاذير والمحرمات. في العديد من المواقع التي تحتضن أضرحة الأولياء، تكتسب الأشجار المعمّرة قدسية مستمدة من المكان نفسه. ففي مناطق مثل ضريح سيدي بلعباس (لعثامنة)، وسيدي امحمد أويحي (طريق ماسين العيون)، وسيدي عمر الشرعي وسيدي حمو (تيزي نتاسا)، وسيدي عقبة (الشرايع) ضمن تراب بني محيو، تحظى هذه الأشجار بمكانة خاصة لدى البعض من السكان المحليين. فهم يعتقدون أن لهذه الأشجار "بركة" نابعة من قربها من الأولياء المدفونين، مما يجعلهم يحجمون عن قطعها أو الإضرار بها، خشية فقدان البركة أو التعرض لعقوبات غيبية. بعض الطقوس والممارسات المرتبطة بتقديس الأشجار: 1. التبرك بالتربة والأوراق والأغصان: يعتقد الزوار أن هذه العناصر الطبيعية تحمل "بركة" الأولياء، ويمكن استخدامها لأغراض علاجية أو وقائية. 2. تعليق الملابس أو التمائم ("لحروز"): تمثل هذه العادة وسيلة لتحقيق الأمنيات (مثل الزواج) أو دفع الشرور، كالعين والحسد والسحر. 3. الامتناع عن الإضرار بالأشجار: تُعتبر الأشجار المحيطة بالأضرحة امتدادًا لسلطة الولي، لذلك يُحجم السكان عن قطعها أو استخدامها لأغراض دنيوية، خوفًا من العقاب الغيبي. ملاحظة: "هذه الدراسة تتناول الموضوع من منظور أنثروبولوجي بحت. أما من الناحية الشرعية، فالأمر محسوم بوضوح. ولله الحمد، فإن الوعي الديني قد ترسخ، وأصبحت المفاهيم واضحة، مما ساهم في بناء فكر قوي ومناعة دينية مكّنت الأفراد من التمييز بين ما ينبغي فعله وما يجب تركه، مع وجود بعض الاستثناءات."
نوستالجيا الزمن الجميل: الطقوس التي تسبق العيد
تتجلى في الذاكرة الشعبية مشاهد لا تُمحى، تحمل في طياتها روح العيد ودفء الاستعداد له، حيث كانت الطقوس التي تسبقه تعكس أنماط الحياة الاجتماعية وتقاليد المجتمعات، خاصة في البيئات الريفية. كانت النسوة، رغم مشقة الصيام، يضطلعن بمهمة إعداد المنازل وتجديدها، إذ لم تقتصر هذه الاستعدادات على التنظيف فحسب، بل امتدت لتشمل إصلاحات هيكلية، سواء داخل البيت أو في محيطه، بما في ذلك الزريبة، الحوش، والكعدة، مما يضفى على المكان طابعًا احتفاليًا خاصًا، يعبّر عن العناية والاهتمام. احتلت عمليات الترميم والصيانة حيزًا مهمًا في هذه التحضيرات، حيث كانت النساء يقمن بإصلاح التشققات في الجدران، وترميم الأبواب والنوافذ، قبل أن يشرعن في طلاء الجدران بالجير الأبيض أو تلوينها بألوان زاهية، تتناغم مع الزخارف التقليدية التي تعكس الثقافة المحلية والذوق الجمالي الخاص بكل أسرة. ولم يكن طلاء الأبواب والنوافذ مجرد عملية تجميلية، بل كان يحمل دلالة احتفالية، إذ يضفي على البيوت إشراقًا يعكس فرحة العيد المنتظر. أما الصغار، فكان لهم نصيب من هذه الطقوس، حيث يكُلّفون بمهمات بسيطة ينجزونها بحماسة طفولية، تاركين بصماتهم على الجدران المطلية حديثًا، وكأنهم يخلدون لحظات الفرح في ذاكرة المكان. وبعد الانتهاء من الإصلاحات، كل الاهتمام يتجه نحو تنظيف الأواني والخزانات وترتيب البيوت، في مشهد يعكس روح النظام والتجدد. لكن من أكثر الطقوس رسوخًا في الذاكرة، تلك الرحلة الجماعية إلى الوادي أو العين، حيث تحمل النساء الفُرُش والأغطية والملابس على الدواب، في موكب أشبه بمهرجان طقوسي، يعبق برائحة الصابون المعطر ونسيم الطبيعة المنعش. عند ضفاف الوادي، كانت الأغطية المفروشة على الصخور تتلقى دفء الشمس بعد تنظيفها، مما يخلق مشهدًا بصريًا مميزًا، يكتمل بإيقاع ضربات الأقدام على الأفرشة المبتلة، وضحكات النساء المتبادلة، وأحاديثهن التي تنسج خيوطًا من الحنين، تتراوح بين أخبار القريب والبعيد. أما الأطفال، فقد وجدوا في هذا الفضاء الطبيعي عالمهم الخاص، متنقلين بين اللعب في التراب، وجمع الأحجار المصقولة بالمياه، والسباحة في الجدول الرقراق، وكأنهم جزء من سيمفونية تناغمت فيها الطبيعة مع الإنسان. وها أنا اليوم أستعيد هذه الذكريات، فيما يخفق قلبي مع كل صورة تعود إلى ذلك الزمن، الذي لم يكن مجرد ماضٍ عابر، بل كان شاهدًا على نمط حياة ساده التعاون والتكافل، حيث لم يكن الاستعداد للعيد مجرد تحضير مادي، بل طقسًا اجتماعيًا يحمل في طياته روح البهجة، ويعكس قيمًا أصيلة قامت عليها مجتمعات الأمس، حيث كان الفرح يُبنى بتكاتف الأيدي، وكانت البساطة في حد ذاتها عيدًا.
التعاونية الفلاحية: دراسة جغرافية وتاريخية
تقع التعاونية الفلاحية في محيط بني يزناسن ضمن تراب جماعة مستكمر، شمال الطريق الوطنية رقم 06، بين النقطتين الكيلومتريتين 17 و20 غرب مدينة العيون الشرقية. تمتد على طول يقارب ثلاثة كيلومترات، بين سيدي عقبة شرقًا وسهل العصلة غربًا، ويحدها واد القصب شمالًا وتلال تاكرومت جنوبًا. تبلغ مساحتها حوالي 350 هكتارًا (مع إضافة 10 هكتارات وفق بعض الروايات)، وتضم أراضي مسقية وأخرى بورية، مما يتيح تنوعًا زراعيًا يساهم في تنمية الأنشطة الفلاحية المختلفة. تم استغلال هذه الأراضي وتأهيلها زراعيًا خلال فترة الاستعمار الفرنسي، حيث كانت تُعرف باسم ،"فيرمة ديبوا " "Ferme de Dubois"، وقد أُسندت إدارتها آنذاك إلى الإسباني"ميگيل" "Miguel". في 19 دجنبر 1976، انتقلت ملكية هذه الأرض إلى شركة صوجيطا، قبل أن تتم إعادة توزيعها لاحقًا في إطار سياسة الإصلاح الزراعي، لتُخصص لصغار الفلاحين. أسفر توزيع الأراضي عن تشكيل تعاونية فلاحية تتألف من 24 ضيعة، مُنحت إلى 24 عائلة. وزعت هذه العائلات بين أربع أسر من بني وكيل، وعائلة واحدة من بني يزناسن، بينما ينتمي باقي المستفيدين إلى بني بوزكو، حسب شهادات السكان المحليين. وفقًا للمصادر الشفوية المعتمدة، هناك اختلاف في التواريخ المتعلقة بانتقال ملكية الأرض، حيث ذُكرت سنوات 1976، 1978، و1979 كمحطات زمنية لهذا التحول. اعتقد أن العملية تمت على مرحلتين رئيسيتين: الأولى عند انتقالها من المعمرين إلى صوجيطا، والثانية عند إعادة توزيعها على العائلات المغربية، وربما تم ذلك عبر مراحل متعددة. ويبقى المجال مفتوحًا لتصحيح او اضافة أي معطيات جديدة. تُظهر الصور الميدانية اثار العديد من المنشآت الزراعية التي تعود إلى الفترة الاستعمارية، مثل أطلال الآبار، المباني القديمة، الإسطبلات، والسواقي، مما يعكس تاريخ استغلال هذه الأراضي ودورها في الإنتاج الفلاحي على مدى العقود الماضية.
المونوليث الصخري في بني يزناسن: دراسة جيولوجية لتكوين جيومورفولوجي فريد من نوعه..
يشكل "المونوليث" الصخري الواقع على مشارف باب زكزل من الجهة الغربية ، نموذجًا جيومورفولوجيًا نادرا في (جبال بني يزناسن)، ويعرف جيومورفولوجيا بـ "المونوليث المعزول" (monolithe isolé)، وهو تكوين صخري ضخم قائم بذاته، ناتج عن سلسلة معقدة من العمليات الجيولوجية الممتدة عبر ملايين السنين. ينتمي هذا المونوليث إلى تكوينات صخرية ذات أصل كربوناتي، تتكون أساسًا من الصخور الجيرية (calcaires) والكالسيت، بالإضافة إلى (السليس)، ويُرجَّح أن تعود هذه الصخور إلى العصر الجوراسي (Jurassique)، وذلك وفقًا للمعطيات المتوفرة في الخريطة الجيولوجية للجهة الشرقية . وتشير الأدلة الجيولوجية إلى أن هذه الصخور قد ترسّبت في بيئة بحرية ضحلة خلال حقبة امتدت ما بين 200 و146 مليون سنة،حسب. (السلم الاستراتيغرافي) ،وهي فترة تميزت بنشاط رسوبي كثيف وتنوع بيئي غني.. عقب هذه المرحلة الرسوبية، خضعت المنطقة إلى عدة مراحل من الحركات التكتونية (mouvements tectoniques) . وقد ساهمت هذه الحركات في رفع التكوينات الرسوبية نحو السطح، وخلقت شبكات من الفوالق (failles) والانكسارات، التي أدت إلى عزل كتل صخرية معينة عن محيطها. ويُرجّح أن المونوليث الموجود في زكزل ربما هو نتيجة مباشرة لعملية رفع موضعي (soulèvement localisé)، جعلته في موقع أكثر عرضة لعوامل التعرية من الكتل المجاورة. وربما بعد هذا الرفع التكتوني، تدخلت عوامل التعرية الطبيعية (agents d’érosion naturelle) مثل مياه الأمطار والرياح، والتغيرات الحرارية اليومية والموسمية، في تفكيك الصخور المحيطة به ذات الصلابة البنيوية الأدنى. وفي المقابل، حافظت الكتلة المركزية، المكونة من صخور جيرية كثيفة وصلبة مدعّمة بعينات السليس والكالسيت، على تماسكها البنيوي، بفضل مقاومتها العالية للتعرية. هذه الظاهرة تُعرف علميًا بـ التعرية التفاضلية (érosion différentielle)، وهي المسؤولة عن بروز التكوينات المعزولة من هذا النوع.(بتحفظ) تجدر الإشارة إلى وجود عدة مونوليثات أخرى موزعة على امتداد جبال بني يزناسن، مما يعكس التراكم الجيولوجي المركب لهذه السلسلة، ويوفر أرضية خصبة للبحث العلمي الجيومورفولوجي والجيولوجي في المنطقة، خاصةً في ظل ضعف التوثيق الأكاديمي لهذه الظواهر محليًا. هذه النماذج من المونوليث وأخرى أعرفها لم أدرجها ...من الناحية الانثروبولوجيا نسيت أكثرها (لعروسة 'ثاسليت، لعروسة الممسوخة ،عروسة عين الببوشة وهكذا .. تبقى قيد الدراسة ،وفي منشور مستقل إن توفرت المعلومات الكافية إن شاء الله ...
الغرب التافوغالتي سيمفونية الطبيعة
عبر الطريق الجهوية P6012، غرب قرية تافوغالت، يمتدّ مسار فاتن يشقّ صدور الجبال المعمّدة بالخضرة، في مشهد يأسر الحواس ويوقظ مكامن الخيال. على جانبيه، تنتشر أشجار البلوط، والزيتون البري، والعرعار، والخروب، والضرو، مشكلةً غطاءً غابويًا بالغ الثراء والتنوع، كأنها آياتٌ من جمال، نسجها الخالق سبحانه في ملكوته، بإتقان لا يُجارى وجمال لا يُضاهى. قرب بني كمكام، تنساب الطريق المعبّدة برشاقة بين منعرجات صخرية شاهقة، تبدو كأنها حراس الزمن، تراقب العابرين بصمت مطمئن، وتفتح لهم دروب الاكتشاف. ليست الصخور الجيرية والكلسية مجرد كتل جامدة، بل ذاكرة جيولوجية نابضة، تخبّئ في تجاويفها أسرارًا ضاربة في عمق الأزمنة، كأنها هدايا الطبيعة تُكشف لأول مرة في طقس احتفالي صامت، لا تدركه إلا الأرواح المُرهفة. وعبر المنحدرات المتعرّجة، ترسم المدرجات الزراعية كأنها لوحة فنية تأسر الطبيعة البكر الزائرَ بهيبتها. إلى حدود مشارف دوار أولاد يحيى، تتبدّد التضاريس الوعرة ليفتح المشهد على سهل يزناسني فسيح، يدهش العين بانبساطه الأخضر، حيث تنتظم المزارع في تنسيق هندسي دقيق، وتمتد بين دواوير أولاد اعمر والزعارة، كأنها جنّات مصغّرة تنعم بالسكينة في حضن الجبال. الحقول، بتنوع مغروساتها من أشجار وحبوب وقطاني وخضروات موسمية، ترسم لوحة فنية متقنة، كأن الأرض تبوح فيها بمكنون جمالها في رقعة شطرنج طبيعية متناهية الدقة. وعلى جانب الطريق، تفاجئك "عين افساسن" بمائها الزلال، وقد أوقفها أهل الإحسان ابتغاء الأجر، فغدت محطة للارتواء والاستراحة. الطرقات المعبّدة التي تخترق المنطقة لم تيسّر فقط سبل التنقل، بل فتحت آفاقًا جديدة لاكتشاف هذا الفردوس المنسي، وجعلت السير في ربوعه، خاصة في فصل الربيع، أشبه بنزهة في جنات الأرض. الأزهار البرية تتفتح على جانبي الطريق، بألوان زاهية وروائح عطرة، وكأن الطبيعة ارتدت فستان عروس في كامل زينتها وبهائها. أما التربة، فتميل إلى الحمرة في معظم مناطقها، وتتدرج نحو اللون الأصفر الصلصالي كلما اتجهنا جنوبًا نحو أولاد اعمرو، في لوحة جيولوجية نادرة تنطق بتنوعها وغناها الباطني. وأما ثمار الأرض من فواكه وخضر، فهي ذات طعم لا يُنسى؛ من يقتنيها أو يتذوقها مرة، يحمل في ذاكرته الحسية حنينًا دائمًا للعودة. بعض الصور يوم التقاطها مرفقة بشروحات .
منتزه حرازة بوفلجات: مشهد طبيعي وتاريخي
يقع منتزه حرازة بوفلجات في أقصى الجنوب الشرقي لقبائل بني يزناسن، بمحاذاة الحدود الإدارية لجماعة وجدة أنكاد، كان يفصل بين المنطقتين وادٍ صغير يُعدّ بمثابة حدّ طبيعي قبل اعتماد التقسيمات الإدارية الحديثة. وتشكّل اليوم الطريق الجهوية غير المصنّفة الحدّ الفاصل بين أراضي أهل أنكاد وبني يزناسن، علماً بأن بعض الأسر من الشحالفة، أحد بطون بني يزناسن، لا تزال تستوطن أطراف المنتزه، بعدما كانت تستغل أراضيه زراعيًا قبل المرحلة الاستعمارية. يتجلى المنتزه اليوم في صورة غابة كثيفة، يغلب عليها غطاء نباتي من الصنوبر الحلبي وأشجار الأوكالبتوس،وبعض الأشجار الاخرى ،وتُعرف محليًا باسم "غابة المقتلة"، وهو اسمٌ موغل في التاريخ، يحيل إلى صراعات دامية نشبت في الماضي بين بني يزناسن وبعض القبائل المجاورة حول الأرض. خلال فترة الاحتلال الفرنسي، صادرت الإدارة الاستعمارية هذه الأراضي الخصبة، التي كانت تُقدّر مساحتها بنحو 650 هكتارًا، وضمّتها إلى أملاك الدولة الاستعمارية، وقد استغلها معمّرين فرنسيين، "توري" و"ناشر"، بحسب مصدر محلي (الأسماء بتحفظ). وأقام هؤلاء منشآت فلاحية متطورة نسبيًا آنذاك، لا تزال بعض آثارها إلى اليوم، من بقايا الاسطبلات والمرافق... ومع نهاية الحقبة الاستعمارية واسترجاع السيادة الوطنية، اندلعت نزاعات محلية حول ملكية الأرض، مما دفع الدولة المغربية إلى ضمّها إلى أملاك إدارة المياه والغابات. ومنذ ذلك الحين، خضعت المنطقة لبرامج تشجير وإعادة تأهيل، اعتمدت أساسًا على غرس أنواع غابوية ، مثل الصنوبر الحلبي والأوكالبتوس وغيرها .. ورغم التغيرات المناخية التي عرفتها المنطقة، خاصة موجات الجفاف المتكررة خلال السنوات الأخيرة، ما تزال الغابة تحافظ على كثافتها النسبية وتضطلع بأدوار بيئية محورية، كما تُشكّل متنفسًا طبيعيًا واجتماعيًا لسكان مدينة وجدة وضواحيها، وفضاءً ترفيهيًا يرتاده الزوار من مختلف المناطق المجاورة.