معاناة أسلافنا إبان الاستعمار الغاشم
محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
قــــــــائمـــــــة محتــــــويــــــــات الصفحــــــــــة من معاناة أسلافنا " أزڭاغ أغمبو " سنوات المجاعة الطوال كيفية استيلاء المعمرين على أراضي بني منقوش محاربة الأمية ومواصلة فرنسا التضييق على الوطنيين بعين الركادة التهريب ببني يزناسن أيام الاستعمار الغاشم – عين الركَادة نموذجا
من معاناة أسلافنا " أزڭاغ أغمبو "
قال أفقير أحمد لقديم المدجاوي ( من مواليد 1885 والمتوفى حوالي 1976 رحمه الله ) : كنا دائما نخشى " أزڭاغ أغمبو " لذا كنت دائما أحتفظ بعوْلة " أربع سنوات لأن أرضنا غير ضامنة. عبارة " أزڭاغ أغمبو " بأمازيغية بني يزناسن تعني بالعربية " أحمر المنقار " وهي كناية عن سنوات الجفاف والقحط، حيث تحمر السنابل وتحترق قبل استوائها. " الجلال " كلمة متداولة لدى الشيوخ وتعني " المجاعة القاسية " . قد تكون تحويرا لكلمة : الجلل بمعنى المصاب العظيم. أو الجلاء : بمعنى هجرة الناس وتركهم لأراضيهم. كان الناس يهجرون أرضهم، كلما ضاق العيش بهم، وضرب " الجلال " المنطقة ، يتجهون شرقا نحو الأراضي الجزائرية نظرا لقربها من المنطقة حيث يتوفر العمل بضيعات المعمرين الذين كانوا في حاجة إلى اليد العاملة ، أو غربا نحو مكناس ومنطقة الغرب المغربي. كانت فترات الجفاف أحيانا طويلة ، وجد عسيرة ، يتحدث عنها الشيوخ في خوف وهلع. من المناطق التي هاجر الناس منها : بني محفوظ ، تيزي ، أولاد بوغنم ، خلاد ، بني عبدالله ... وكانت تتم عن طريق مدينة الغزوات بالجزائر ، وببطاقات تعريف لجزائريين ، حيث كانت يومها بدون صور أصحابها ( يكفي فقط حفظ اسم صاحبها ). قال الشيخ حماد بن الطيب أقدار للمؤلف أنه كان وجماعة من أبناء المنطقة ، يتسوقون إلى غرب المغرب ( زعير ، الرماني ، س. بطاش ) لشراء الأبقار ، والعودة بها ، لبيعها بمدينة مغنية الجزائرية.
سنوات المجاعة الطوال
إن آباءنـا الذيـن عرفـوا فتـرة الثلاثينـات والأربعينـات من القـرن المـاضي عاشـوا سنـوات رهيبـة من الفـاقة المدقعـة والمجـاعة الفتـاكة لا يمكـن نسيانهـا مـا حيـووا. والـواقـع أن كـل واحـد منـا سبـق له أن سمـع عن تلك الحقبـة العصيبـة من الخصاصـة والجـوع والأوبئـة، الخ. وممـا زاد الوضعيـة استفحـالا ضغـوط وشـطط الاستعمـار وانعكاساتـه السلبيـة على الحالـة الماديـة والمعنويـة والاجتماعيـة والثقافيـة للسـواد الأعظـم من الشعـب المغـربي الذي كـان ينعـت في ذلك الزمـان بًالأهـاليً. وقـد دفـع واقـع الحـرب العـالمية (1939-45) مع مـا تطلبتـه من حاجيـات إلى أن أقبلـت سلطـات الحمايـة على استنـزاف كل المـواد الغذائيـة والبضـع ذات الاستهـلاك الواسـع المتوفـرة آنـذاك. فبـدأت عمليـة الحجـز الشامـل لكـل تلك المنتجـات، ممـا خلـف نقصـا مهـولا عندنـا. وقـد أنشئ يومئـذ مـا سمـي بنظـام التحصيص أو القسيمـة أو ًالبـونً (عـام البـون بتعبيـر آبائنـا.( وقد كـان نظـام تحديـد حصص الاستهـلاك مطبقـا على جملـة من المنتوجـات الضروريـة، مثل الطحيـن والزيـت والسكـر والصابـون. غيـر أن مـا جعـل الأمـور أكثـر سـوءا، هو النقـص الكبيـر في المـواد الموزعـة، كمـا أن مهمـة تسليـم القسائـم (أو البونـات) كانت مسنـدة إلى السلطـات المحليـة عبر الشيـوخ والمقدميـن. وهنـا بـدأ التلاعـب والميـز بين النـاس، وعـدم الاكتـراث للمواطـن العـادي الذي كـان عليـه أن ينتظـر الساعـات الطـوال علـه يحصـل على النـزر القليـل ممـا يمكـن أن يجـود به عليـه هـؤلاء الأشخـاص. هـذا في الوقـت الذي كـان فيه المعمـرون والأعيـان ينالـون حصـة الأسـد بـدون تلكـأ ولا عنـت. وهكـذا، فنحـن نستطيـع أن نفهـم أكثـر آبـاءنـا وهـم يروون لنـا بمـرارة وأسى مـا قـاسوه أثنـاء تلك الحقبـة الرهيبـة المدلهمـة. فلقـد أدت بهـم شـدة المجـاعة إلى الإقبـال على استهـلاك كل مـا يجدونـه من أعشـاب ونباتـات، مثل "الكرنينـة و الحميضـة والبكوكـة ، إلخ. كمـا أن فقـدان مـادة السكـر اضطـر النـاس إلى محاولـة الاستعاضـة عنـه باللجـوء إلى البحـث عن بـدائـل كالتمـر والعسـل والجـزر،... وذلك علهـم يخففـون من مـرارة الشـاي (في الواقـع النعنـاع الميبـس) أو القهـوة (الممزوجـة بقـدر وافـر من الحمـص للزيـادة في الكميـة). ثـم إن حـالة العجـز والخصـاص امتـدت إلى المـلابس، حيث كـان النـاس لا يتورعـون عن ارتـداء أي شيء يستـر عورتهـم ويحفـظ كرامتهـم. وقـد فاقـم الأمـر شـدة الحـاجة إلى الصـابون، ممـا خلـق وضعيـة بئيسـة جـدا في مجـال نظافـة وصحـة السكـان. وفي هـذا الـصدد، فـإن نسبـة الوفيـات عرفـت نمـوا متصاعـدا خـلال تلك الأعـوام القاسيـة، لدرجـة أنـه يمكـن اعتبـار الناجيـن من أهـوال تلك الفتـرة فئـة محظوظـة حقـا. إن شهـادات الأشخـاص الذيـن مـا زالـوا على قيـد الحيـاة تشكـل مصـدرا ذي أهميـة قصـوى في سبيـل معرفـة وتـدوين تلكـم الأحـداث المـؤلمـة من تاريخنـا المعاصـر. وهـو لعمـري موضـوع للبحـث علينـا أن نعيـره الاهتمـام المـلائم لإنجـاز دراسـات تعـنى بالوضعيـة السياسيـة والاجتماعيـة والثقافيـة التي هيمنـت على بـلدنـا خـلال عهـد الحمـايـة.
كيفية استيلاء المعمرين على أراضي بني منقوش
بعدما أحكمت فرنسا سيطرتها على منطقة بني يزناسن، شرعت في إقامة أدوات وعناصر البقاء، والاستمرار، والاستغلال، وهكذا بدأت في تاسيس مدينة أبركان، انطلاقا من المكان الذي نزلت به أمام قبة الولي الصالح، سيدي امحند أبركان، أواخر العشرية الأولى، وبداية العشرية الثانية من القرن العشرين. شرعت فرنسا أيضا في تشجيع المعمرين على الاستيلاء على أراضي أصحابها، وتملكها، وإقامة ضيعات كبرى، حيث أصدرت سنة 1914 م ظهيرا يعطي الحق للإدارة الفرنسية في انتزاع الأراضي من أصحابها... أ – ضيعات المعمرين بعين الركادة: أصبحت عين الركادة كغيرها من مناطق بني يزناسن، مركز اهتمام المعمرين، نظرا لانبساط أراضيها، وامتداد سهولها، وخصوبة تربتها، ووفرة مياه العين سنوات الخصب. كانت أول ضيعة تعرفها عين الركادة هي : " ضيعة الكبّانية " التي أقيمت إلى الغرب من العين، وقريبا منها خلال العشرية الثانية من القرن العشرين. اشترك خمسة معمرين في تأسيسها ، ذكر لي ثلاثة منهم، وهم كالتالي : - تِبْنو - دوني - بيغو - ويساعدهم " خْوانْ " الذي عرف عند الناس باسم " خْوان لَعْوَرْ " استحوذوا على ما شاؤوا من الأراضي التي كانت في ملك بني منقوش الشمالية، وكانوا يزرعونها بالحبوب و الفول والحمص....شغّلوا عددا من ابناء المنطقة في بداية انطلاقها ( من العمال الأوائل : البشير أوزيرار البوعزاوي ، أحمد الزاوية النكاوي ، محند وشريف الميلتي....). بعد مدة انتقلت الضيعة إلى المعمر " مرتنيس " الذي استغلها لمدة طويلة ثم حل محله لمدة قصيرة ، المعمر " لاكرْوى " لتنتقل في الأخير إلى اليهودي " شقرون " الذي عرفت الضيعة باسمه " فيرمة شقرون " وبالأمازيغية " الفيرمة انشقرون ". أقيمت ضيعة ثانية بعين الركادة، بعد سنوات قليلة من إقامة الضيعة الأولى ، إلى شرق العين وأسسها المعمر " تبنو " بعد انفصاله عن " الكبانية ". اتخذ القصبة مركزا لها، استحوذ على الأراضي المحيطة بها ولم يغير أي شيئ فيها. إنجازه هذا سيكون نواة الضيعة التي ستنتقل إلى ملكية المعمر " مورلو ". ب – طريقة حصول المعمرين على الأراضي - التوقيع بالإكراه : اعتمد المعمرون على التهديد والتخويف والترهيب، من أجل توقيع المواطنين على عقود بيع وهمية يستلم المعمرون بموجبها الأراضي التي يختارونها، وهكذا أجبر عدد كبير من سكان قبائل بني منقوش الشمالية " خلاد ، طغاغط ، أولاد بوغنم ، وغيرهم " على التوقيع ، خوفا على أرواحهم وأرواح أبنائهم. - البيع : تم بيع العديد من الأراضي تحت الضغط، وبأثمان بخسة يقترحها المعمر – فهو البائع والمشتري – قد يؤدي بعض الأجر أو يمتنع عنه ، واستغل أيضا قوانين الاستعمار الفرنسي الصادرة لحمايته، وكذا فقر الأهالي وشدة حاجاتهم. - المبادلة : مبادلة قطعة بأخرى ، من أجل تجميع الأرض ، و إفراغها من أصحابها ، و إبعادهم إلى الحواشي و الأحراش ، وكانت العملية تتم تحت الضغط و التهديد ، يتم فيها الاستيلاء على الأرض السهلية الخصبة ، مقابل الأرض الوعرة. حدثني جدي قال : كان لوالدي هكتار بمنطقة " الصينية " أخذه مورلو منه وعوضه بقطعة في الأحراش. ( الصينية : أرض منبسطة، خصبة تقع إلى الشمال من عين الركادة، وتمتد إلى دواوير " اينعار " كانت تستفيد من حصة ماء العين في السقي – شبهت بالصينية لاستوائها ). - التحايل : تحايل المعمرون على المواطنين بشتى الوسائل، من أجل انتزاع الأرض منهم، منها التوقيع على أوراق قيل إنها " كوبونات إعانة " ، وهي في الحقيقة عقود بيع ، أو عقود تنازل تعطي المعمر حق التملك. استغل المعمرون عادة " التبوريدة " لدى الأهالي ، فمنعوا عنهم البارود ، ودفعوهم إلى بيع الأرض مقابل الحصول عليه، حدثني الشيخ حماد بن الطيب أقدار قال : لقد أعطى عدد من الناس أرضهم للمعمرين، مقابل الحصول على حصة من البارود من أجل " التبوريدة " ومنهم من باع الهكتار الواحد مقابل كيلو واحد من البارود... إن بعض سكان قبائل بني منقوش لم يبيعوا أراضيهم للمعمّريْن : شقرون ومورلو رغم ضغوطاتهما المتعددة، وتهديدتهما المتكررة، وبقي بعضهما على شكل جزر متناثرة، وسط الأراضي الشاسعة التي استحوذ عليها، وهكذا امتنعت عليهما بعض أراضي " اولاد هرو " الواقعة غرب عين الركادة ووادي بورولو ، وكذا أرض " إقدارن " الواقعة جنوب العين ، والقطع المسقية، و بعض أراضي الحاج ابراهيم الينعوري، الواقعة شمال العين، وبعض أرض " إعثمانن " الواقعة شمال شرق القصبة ، حدثني والدي قال : " كان مورلو يكره أفقير بوجمعة أو عثمان كرها شديدا ، لأنه رفض أن يبيعه أرضه ليضيفها إلى ضيعته، وكان كلما ذكره أ وقف جنب أرضه ، إلا ونعته ب " السّالو " ( صفة قدحية تعني : السمج ، المتسخ ، القذر ، المتخلف ، كان مورلو والمعمرون يستعملونها كثيرا لإهانة الأهالي ). ......................................................................... وضعية الناس الاجتماعية والاقتصادية بُعيد الاستقلال – عين الر ڭادة نموذجا – كان الناس يظنون أن الاستقلال يعني طرد المعمرين، واسترجاع الأراضي التي سلبوها منهم، وقطع الصلة تماما مع المستعمر، إلا أن ما أدركوه شيئا فشيئا، أن المعمرين باقون، والأراضي لم ولن تسترجع منهم، ولن ترجع إلى أصحابها الحقيقيين، بل هاهم يجددون عتادهم الفلاحي (1)، ويوسعون مغروساتهم، ويشغلون الأهالي على هواهم كما كان الحال من قبل. كانت الوضعية لسكان الر ڭادة بعد الاستقلال، تبعث على اليأس والشفقة، فقد استمر استغلال المعمرين، أصحاب الضيعات للأيدي العاملة بأثمان زهيدة (2)، واستمرت حياتهم الفلاحية على حالتها التقليدية البسيطة، في أراض جلها يقع في الأحراش والسفوح. كانت وضعية المواطنين صعبة ومزرية، ويتجلى ذلك في مستوى معيشتهم، ولباسهم، وقدرتهم الشرائية في تعاملهم مع السوق. كان جل المتسوقين من عين الر ڭادة ونواحيها إلى مدينة أبركان، يتسوقون مشيا على الأقدام، أو على دوابهم، والقلة القليلة على دراجتهم الهوائية. كان منظر العمال، وهو يغدون، أو يعودون من عملهم بضيعات المعمرين، يبعث على الحزن والأسى، ويستدر الشفقة والرحمة. استمر العمل شاقا، غير محدد الزمن، ينتقل العامل غالبا على رجليه، يؤدي جميع الأعمال كيفما كان نوعها، يخضع في عمله لحاجة المعمر، مع أجرة ضعيفة وقارة. ساعد على تأزيم وضعية العمال، سلوكات بعض مسيري ضيعات المعمرين من أبناء عين الر ڭادة " الكوميسات Les commis " الذين كانوا في بعض الأحيان أقسى من المعمر نفسه. كلما حل فصل الصيف، وحصد المعمران ( مورلو وشقرون ) غلتهما، هبت العجائز لجمع السنابل المتساقطة، إلا أنهن كن يعانين مع " الكوميسات " ويمنعهم من ذلك، بل يؤخذ منهن ما جمع، ويقدم لأغنام المعمرين. كانت قلوب بعضهم تحن وتشفق قليلا، ويتم التنازل أحيانا في بعض المناسبات عن هذه الممنوعات، إلا أن الوضع العام كان سيئا بالنسبة للأهالي أحسوا فيه بأن الاستعمار لا يزال جاثما فوق صدورهم. مع ستينيات القرن العشرين، ومع توالي سنوات الاستقلال، غَيَّر بعضُ المعمرين من سلوكاتهم العدائية، وأصبحوا يتعاملون بكثير من الليونة، فقد كان " مورلو " يقدم بعض المساعدات للعمال زمن الشدة، ويتكلف بمداواة بعضهم، كما أصبح يمتع عماله بعطلة صيفية تمتد لخمسة عشر يوما، يقضونها بشاطئ السعيدية، على نفقته. خصص لمدة طويلة قطعة أرض للعمال، يحرثها ويحصدها، ويوزع عليهم محصولها. أصبح يشفق كثيرا على عماله المسنين، ويوصي " الكوميس " بالعناية بهم، وعدم إرهاقهم بالعمل. نودي بعد الاستقلال، على جل الوطنيين الذين أفنوا زهرة شبابهم في الدفاع عن الوطن لمكافأتهم، وتمت المكافأة على الشكل التالي : - مجموعة القيادة، أعطيت لها بعض المناصب العليا نسبيا، رؤساء دوائر، قواد، وخلفاوات. - مجموعة عينت بالأمن الوطني، برتب حراس الأمن. - مجموعة " لمخازنية " وهي الوظيفة التي تم التكريم بها بسخاء على جل الوطنيين والفدائيين. - مجموعة استفادت من توزيع الأراضي الفلاحية، بمنطقتي " بوشاقور وبوغريبة ". - فئة لم تكافأ بأي شيئ، وتشكل نسبة مهمة. (1) : أضاف " مورلو " عتادا فلاحيا جديدا من بينه جرار جديد، ونفس الشيء بالنسبة لشقرون، كما بنى معصرة الخمر داخل ضيعته. (2) : كانت أجرة العمل اليومي التي يؤديها المعمر في سنة 1956 هي 300 فرنك كحد أقصى، ما يساوي حاليا 3 دراهم.
محاربة الأمية ومواصلة فرنسا التضييق على الوطنيين بعين الركادة
كانت أهداف الحركة الوطنية متنوعة، جمعت بين التكوين السياسي، والفدائي، والتربوي، ومحاربة الشعوذة والتدجيل التي كانت تراها في الزوايا، وهي من معيقات تحرير الوطن. كان الوطنيون يرون أن الأمية مصدر التخلف، وأساس عرقلة نمو العقل الواعي وتطوره، فنظموا حلقات دروس في محاربة الأمية، فتحول العديد من دواوير عين الركادة إلى مؤسسات تعليمية وتربوية، تعلم المواطنين القراءة والكتابة، وتوعيتهم بمفاسد الاستعمار ومخاطره. أقبل الناس على هذه الدروس بأعداد كبيرة، ورغبة جامحة، اختلط فيها كبار السن بالشباب. خصصت بيوت لمحاربة الأمية، تعلم الناس القراءة والكتابة بالليل والنهار، وسط جنائن الدواوير وبساتينها، خاصة في المناطق الجبلية. تكلف بعض المتعلمين (1 ) من الوطنيين، بتعليم إخوانهم، فانتشرت أقسام محاربة الأمية في عدد من دواوير عين الركادة(2) والمناطق الجبلية. أصبح الإقبال كبيرا على قراءة جريدة " العلم " ، حتى وإن كان بصعوبة عند البعض... قراءة جريدة العلم كانت تقلق السلطات الفرنسية، وتغضبها، كانت تتنقل من يد إلى يد في سرية تامة، كان المستعمر يرى في قراءتها، أداة توعية، وإيقاظ للشعب، وتحريض على مقاومة فرنسا، يجب محاربتها. حدثني والدي قال : كنا داخل الضيعة، نغربل " الفرينة " فوق سطح " لانڭارات "(hangar) والشمس تميل إلى الغروب، خرج إلينا مورلو (3) من مسكنه، وصعد إلينا، رمى بعينيه غربا، فرأى محمد قدار ولد الشيخ عبدالله أقدار، جالسا يقرأ الجريدة، فانفجر غاضبا: " شكون ذاك الصّالو (salaud) اللي يقرا الجورنال....أشكون...." تابع غمغمته وغضبه، وهو يتحرك بيننا يدك الأرض برجله". 1 – ممن تطوعوا: محمد المدجاوي" أخ ميمون المدجاوي" بدوار بوعموذ، والطيب قدار بإقدارن والسي الحسين، كما كان الحزب يُحضِر مدرسين من أبركان منهم السي البخاري البكاي...وغيرهم. 2 – من هذه الدواوير: بوعموذ، إقدارن، ميلِّي، تافوغالت بعين الركادة، اينتور، اينعار...وغيرها كثير. 3 – مورلو من الفرنسيين الذين استولوا على أراضي شاسعة بالمنطقة
التهريب ببني يزناسن أيام الاستعمار الغاشم – عين الركَادة نموذجا
بدعوة من الأخ ، ) خالد قاسمي ابن دوار ثاونكَاط ( آث فسير ) غرب وادي ملوية ) جزاه الله خيرا، ورفقة كل من الأخ محمد المرابط والأخ محمد البوعزاوي ، قامت المجموعة يوم السبت 28 ماي 2022 برحلة استطلاعية إلى دوار ثاونكَاط وإلى المكان المعروف تاريخيا باسم " سبع أحوانت – سَبْعَ نْ تْحُونَا "، التي لم تبق منها إلا بعض جدرانها المهترئة دالة على حوانيت يعرفها أهل المنطقة وكل من تبضع منها. حوانيت شهدت رواجا تجاريا محترما بين ضفتي وادي ملوية. وفي هذا الصدد، ننشر بين أيديكم إخوتي الكرام، ما كتبه الأستاذ عبدالله الزغلي في كتابه " عين الركادة، القصبة و التأسيس " من ص 124، إلى ص 127، عن هذه النقطة الحدودية المعروفة ب " سبع أحوانت ": أصبح جل أهالي عين الركَادة يتعاطون للتهريب، من أجل توفير لقمة العيش التي أصبحت صعبة، مع استمرار الحرب. واصل الآباء عملهم المعهود، المتمثل في حرث الأرض وزرعها، وتربية الماشية، بينما تحول الأبناء إلى " الترابندو ". كان العمل في التهريب ينطلق من نقطة الاستعمار الإسباني، وراء نهر ملوية غربا، ويوزع في منطقتين، مدينة وجدة، والأراضي الجزائرية. كان المهربون يعملون على شكل جماعات في تنقلاتهم، ويقطعون غالبية المسافات مشيا على الأقدام. حدثني والدي قال : " كنا ننطلق من الركَادة مشيا على الٌأقدام، ونمر شمال، أو جنوب أبركان، في اتجاه وادي ملوية، مخترقين أراضي شراعة، ونعبر إلى الضفة الغربية من الوادي، نتسوق من " سبع أحوانت – سبعة ن تحونا " (1)، وبعد حزم السلعة على الظهر، نقفل راجعين ليلا، وسط مخاوف الحراسة المشددة التي ضربتها فرنسا على التهريب، لنصل إلى الركَادة، وننتظر مجيء الليل، لنتجه شرقا نحو وهران مرورا بجنوب أحفير، ووسط الكَربوز، وكانت الرحلة تستغرق أسبوعا أو أكثر،...وبعد بيع السلعة نعود من جديد، لنستعد لرحلة أخرى..." أطلقت فرنسا يد الجميع لمحاربة التهريب، ومطاردة المهربين في كل مكان (2) وفرضت قانون منع تنقل أفراد قبائل بني يزناسن عبر أراضي بعضهم البعض، إلا بعد الحصول على ترخيص من الإدارة الفرنسية، ويدخل هذا ضمن سياسة عزل القبائل عن بعضها البعض، وتسهيل عميلة مراقبتها، وضبط تحركاتها، خصوصا وأن سنوات الأربعينات كانت تعرف حراكا وطنيا داخل البلاد. : (1) نقطة التسوق كانت " سبع أحوانت " تقع بأراضي كبدانة، الخاضعة للاستعمار الإسباني، عبارة عن دكاكين توفر السلعة المطلوبة تقع غرب وادي ملوية. : (2) جل شباب الحرب العالمية الثانية توجهوا للعمل في التهريب، وهم يتحدثون عن محنه وويلاته ومشاكله التي لا تنتهي. هذا القانون، زاد من تعقيد تنقل مهربي بني منقوش بأراضي بني وريمش، كمنطقة عبور، حدثني أحد من اشتغل في التهريب قائلا: " كنا نعتمد كثيرا على عائلات بني وريمش، التي كنا ندخل وسطها، يوم التسوق، وهي راجعة بعد الزوال من أبركان إلى دواويرها، كأفراد منها، للتمويه على العسس في الطريق، وكنا نعتمد على أناسها في تأمين الطريق، والهروب إليهم كلما طوردنا وترك متاعنا لديهم حتى تهدأ الأحوال...كانوا طيبين وأوفياء..." كانت المواد المهربة (3) من " سبع أحوانت " متنوعة، وظروف نقلها إلى نقط بيعها صعبة وشاقة، تبتدئ من قطع نهر ملوية (4)، الذي يجب أن يتم ليلا، ومعرفة نقط تواجد العسس، التي تتغير باستمرار، وشراء الطريق (5). نفس المخاطر كانت تعترض المهربين وهم يقطعون الأراضي الجزائرية، في اتجاه تلمسان، أو عين تمشونت، أو سيدي بلعباس، أو وهران، كلما اقتربوا من الدواوير، هرت الكلاب، وعلا نباحها، وانطلق صوت الرصاص من أفواه البنادق، ملعلعا في السماء إعلاما بالخطر، وتحذيرا من الاقتراب بالدواوير. :(3)عبارة عن شاي وقهوة وقماش ولوز، يلف ويجمع، يشد إلى الظهر ويسمى بأمازيغية بني يزناسن " ثاعرورت ". :(4) يجب معرفة " مشارع " أي معابر النهر الآمنة، معرفة علو منسوب الماء، وخلوها من العسس. :(5) أي دفع الرشاوي للعسس كيفما كان نوعهم وفي أي مكان، يتحدث مهربو عين الركَادة عن شخص معروف يومها " بسبع أحوانت " اسمه " أطجِّيوْ " يعمل بالمخزن الإسباني، كان يتقاضى عن كل مهرب ما قدره عشرة دورو، أو يكون مصيره " كَارمة " ( مركز حراسة إسباني). بالمقابل، كانت هناك دواوير جزائرية معلومة لدى المهربين، تتعامل بكامل الطيبوبة، وتقدم كل المساعدات الممكنة، حدثني " محند البَركان " (6) قال: " كنا نتحاشى – ما أمكن – المرور بالقرب من بعض الدواوير، لأن جل سكانها من النساء، حيث كان الرجال في الجيش الفرنسي أيام الحرب العالمية الثانية، وكان كلما نبح كلب إلا وأعقبته طلقات الرصاص من أيدي النساء، تخويفا وترهيبا، بينما كانت دواوير أخرى ترحب بنا كلما طرقنا أبوابها، وتقدم لنا قهوة لذيذة جدا، تنسينا مشقة الطريق..." كانت السلع المهربة مطلوبة في الأسواق الجزائرية، تباع بكامل السهولة، وكان جل التجار الجزائريين أمناء في بيعهم وشرائهم، حدثني والدي قال : " كنا كلما وصلنا إلى وهران، نترك سلعتنا في دكان، ونخرج بنماذج منها، نعرضها على الدكاكين الأخرى، نتفق على الثمن، نحضر السلعة، فنأخذ قيمتها في الحال، كانت الثقة في العملة المتداولة فيما بيننا..." (6): محند البَركان من مواليد حوالي سنة 1910 وتوفي حوالي 1980 رحمه الله
صحيح. كان أبي في تلك الفترة المذكورة يعمل في التهريب بين مليلية والجزائر وخاصة ندرومة حيث كان هو وأصدقاؤه يتنقلون مشيا. تمكن الحرس الفرنسي في أحد الأيام من إلقاء القبض عليهم. إلا أنهم تمكنوا من الفرار في الليل من نفس اليوم. مكان إلقاء القبض والسجن هي مدينة السعيدية. - "تراباندو" ..اشتغلت عليه مع من يهمهم الأمر..عالم قائم بذاته. كراء الظهر (تاعرورت )..لحمل السلع..الرقاس يمشي في الأمام كمنذر للقافلة.. وطريق سيدي المخفي.وطريق تامجوطت..لتفادي الجمارك ورجال الدرك..الاحتفاء برجال تراباندو.... مول تراباندو. زهواني ....... يمشي ويجي كالديواني - أظن أن التهريب عبر مشارع وادي ملوية بهذا الشكل البدائي استمر حتى بداية الثمانيات وإن كانت السلع لم تكن موجهة للجزائر. أتذكر أنني حين كنت تلميذا في مدرسة بقصبة شراعة كان مهربون يمرون بمحاذاة القصبة أحيانا يحملون سلعا على دراجات إما يركبونها أو يدفعونها. - حفل آخر إصدار لمركز البحوث والدراسات الإنسانية، يوثق شهادات حية لمن تبقى من المقاومين حول المقاومة بالجهة الشرقية بما فيها دوار فاسير الجبل وتاونكاط سبع حوانيت. - نعم الأمر لم يقتصر على سكان عين الركادة بل الكثير من بني وريمش كانوا يمارسون التهريب من منطقة النفوذ الإسباني إلى منطقة النفوذ الفرنسي فهناك من كان يبيع المواد المهربة في الأسواق المحلية ومنهم من كان يقوم بمغامرة ثانية تتمثل في نقل هذه البضائع إلى الجزائر لبيعها بثمن أغلى. وكان هناك حراس يتعقبون المهربين و يختبئون لهم وسط الغابات والدواوير. أخبرتني أمي كيف طاردوا جدي فألقي حمله وسط حقل الصبار ثم دخل المنزل اندس تحت الأغطية فقاموا بجولة حول المنزل وحاولوا الدخول لكن جدتي العجوز أثنتهم وأكدت لهم أن لا أحد دخل المنزل، ثم انسحبوا في الأخير. كان التهريب المعاشي مشيا على الأقدام وبواسطة الدراجات الهوائية المسمات ( البانداج ) أما المبيت فكان في الحمامات أو الإسطبلات. المجموعة المكلفة بحراسة تحركات المهربين كانت تسمى ( لاسيريس ) في الشريط الحدودي وعندما كان يلقى القبض على المهربين يصطحبونهم إلى مركز ديوانة احفير ويخيرونهم بين إخلاء سبيلهم أو اداة رسوم خفيفة عليها.