محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
ذ. محمد ستي
محمد ستي، أستاذ التعليم الابتدائي مدير مدرسة الإمام علي بأبركان منذ سنة 2014
قــــــــائمـــــــة محتــــــويــــــــات الصفحــــــــــة - شعائر صلاة العيد في زمن الفقيه رحمة الله عليه ذ. المختار الدرعاوي - ظاهرة سونة - حلويات عيد الفطر - طقوس الاحتفال بالمولد النبوي - العقيقة لدى اليزناسنيين - طقوس الختان عند قبائل بني يزناسن - زمن إخراج الصدقات للأطفال في الشوارع - الكعك المخمر: كيف يمنحه الفرن التقليدي طعمه الفريد
شعائر صلاة العيد في زمن الفقيه" ذ.المختار الدرعاوي رحمة الله عليه"
"في زمن كورونا افتقدنا شعائر العيد التي كانت تقام بمصلى سَالَمْ"، يهرعون إليها من كل حدب و صوب، رغم مساحتها الواسعة لم تكن تستوعب العدد الهائل الذي كان يحج إليها، فتراهم في الطرقات يفترشون سجاداتهم مستظلين بحيطان المنازل، يشاركون في الذكر و التكبير اللذان تؤديانه جماعة متخصصة، تتموقع في الصفوف الأمامية مع الإمام، يستمر الذكر على نفس الوتيرة بأصوات تُدغدغ السمع و تُخشِّع القلوب، يتم المناداة عليها و استحضارها من أجل هذا الدور، الذي يحتاج إلى حناجر صادحة، تمتلك غنة صوتية، و قدرة على الأداء الجيد، و دراية تامة بمواطن الترقيق و التخفيظ و الرفع في الصوت، تُلزم الحاضرين تلقائيا بمواكبتهم في التكبير، في جو روحاني تعجز الحروف عن وصفه بتعابير تليق بمقامه، يتوافد المصلون تباعا حتى تصير الطرقات ممتلئة، إلى حين حضور ممثلي السلطة المحلية، لتؤدى الصلاة، على أن تليها خطبة العيد من إمام يتم اختياره من بين فقاء المدينة و أعرفهم بأمور الدين، كان من بينهم" السي الموحشي اليزناسني" ( *. البوطيبي الفاسيري ) الذي عُرِف بفقهه و علمه الغزير، و بجلسات الحديث و الذكر الذي كان يؤثثها بتلك الدوس القيمة، التي يُلقيها وسط العامة بين حين و آخر في مناسبات مختلفة، أسندت إليه مهمة الخطبة لفترة طويلة، حتى خانته صحته و أحس بالوهن فاعتزلها، ليتولاها بالتناوب مجموعة من الأئمة، تصدرهم الفقيه" المختار الدرعاوي" الذي لم يكن أقل شأنا من سابقيه في تمكنه من علوم الدين التي أهلته لأن يكون إماما و خطيبا في الأعياد، و في المسجد العتيق يوم الجمعة، اتخذ السهل المستساغ، و التخفيف الغير ممل و الأفيد في خطبه، مما حدا بالجميع إلى حضور حلقات الدرس و الخطب على أنواعها التي كان يلقيها بأسلوب سلس يدركه البسطاء، يعتمد الحكي لوقائع تاريخية دينية، و سير الصحابة و الأئمة، يزكي بها محور كلامه ليوصلهم إلى المدلول العام للخطبة، بطرق فيها من التشويق ما يحملهم على تتبع فصولها دون شعور بالرتابة، منهجية مبسطة تأخذ بالسهل اليسير حتى في حياته المهنية كأستاذ بإعدادية ابن رشد و القدس و أبي الخير، لا تكاد تحس بثقل الوقت و أنت تتبع معه خطوات الدرس، لكن المميز فيه تلك الأخلاق الدمثة، و سعة الخاطر لتقبل الآخرين، و الروح السمحة التي لا تعرف غلا و لا ضغينة، يعامل التلاميذ كما الناس معاملة تستحيي أن ترفع نظرك في وجهه تقديرا و تعظيما، لا يجرح خواطر متعلميه، بل كان بلسما يُخفف من آلامهم، و يعالج انكساراتهم النفسية، و يهدئ من روعهم، كان الأب الروحي للتلاميذ المعوزين و لكل من انحاز إليه في مشورة أو طلب مساعدة، لقد استحق أن يكون خطيبا و واعظا و أستاذا متميزا، و كان لنا الشرف أن نكون من أحد تلامذته الذين نهلوا منه رحمه الله علوما دينية وافرة، كما لا زال المسجد العتيق حيث كان خطيبا يحتفظ بصورته معلقة على المنبر، تكريما لهذا الرجل الذي أعطى الشيء الكثير لرواد هذا المسجد من المصلين، لقد كان نِعم الإنسان و الأستاذ و الواعظ و الخطيب.
ظاهرة سونة
سونا كلمة منطوقها مألوف عند من عايشوا فترة ظهور جماعة من الشباب، كانوا يتقمصون أدوارا مرتبطة بحدث عيد الأضحى، بحيث كانوا يلبسون جلود الخراف و يضعون أقنعة على وجوههم و فوق رؤوسهم قرونا لأكباش العيد، يتجولون عبر الأزقة و كلما و جدوا منزلا بابه مفتوح دلفوا إليه دون استئذان و لا يخرجون منه إلا و قطعة من اللحم في أيديهم، ليستمرون في تجوالهم مرددين لشعارات لها دلالة معبرة عن حدث العيد كقولهم" سونة بغات القديد مالح و جديد" في رغبة منها لأن تقتطع لها كل عائلة جزءا من اللحم و لو عنوة، سواء كان مملحا معدا للشواء أو جديدا لم يقدد بعد، في إشارة منها إلى أن ظاهرة التبريد لم تكن قد عمت بعد، و في نفس السياق كانوا يرددون كذلك شعارا يكشفون من خلاله عن اختيارهم لقطعة لحم ذات صنف جيد أما " الشرديد" فإنهم يتركونه لأهل البيت و ذلك في قولهم" سونة بغات القديد أخلات الشرديد"، كما كانت تقدم في تجوالها عبر الأزقة لوحات استعراضية مرعبة، تعبر في مجملها عن لقطات من الذبح و السلخ تخيف الصغار قبل الكبار، و لكنهم بفضولهم النابع من حبهم لمعرفة فصول هذه الظاهره التي يتقمص فيها أصحابها أدوارا مرتبطة بحدث العيد في حركات بهلوانية مخيفة، فإنهم كانوا يتبعونهم في الروح و الغدو و هم يشاركونهم ترديد الشعارات في حذر شديد من التقرب إليهم، و لكنهم في كل هذا كانوا يستشعرون نشوة و فرحا لما كانوا يشاهدونه رغم توجسهم خيفة من المناظر المرعبة، و كانت الجولة تستغرق أمسية بكاملها لأن تنتهي فصولها بعد أن يتلبس العياء شبابا اختاروا القيام بأدوار ليست من السهل تقمصها ما لم تتوفر فيهم تلك المواصفات و الشروط الأساسية المطلوبة في مثل هذه المواقف، و أولاها الجرأة على لعب تلك الأدوار التي تكتسي الغرابة فيما تتضمنه من مشاهد مرعبة، ثم الصبر على تحمل الانتقادات و ردود أفعال غير إيجابية من بعض العائلات، و النفس المرحة لخلق الفرجة، و المحبة الصادقة لتوزيعها على القلوب التي تعاني الضيم و تحتاج إلى من يروح عنها و يخفف من معاناتها. إنها جماعة من الشباب اختارت لنفسها إسم " سونا" ظهرت في وسط عرف أهله بالكرم و الجود و حب الفرجة، فخلقت لها وجودا نقشت بصماته في ذاكرة من عايشوا تلك المرحلة، و لكن سرعان ما اندثرت لاعتبارات ارتبطت في معظمها بالتغيرات التي عرفها العالم على جميع المستويات و التي جعلتها متجاوزة و غير مجدية آنيا. ظاهرة سونا لها عدة مسميات تختلف حسب كل منطقة" بوهيظور" " بوجلود" " هرما" و " بويلماون"، فهي طقس فرجوي له أبعاد احتفالية تمتزج فيها الثقافة اليهودية و المسلمة، لتقدم مشاهد تعبيرية تنم عن تنوع في العادات الاجتماعية و الحضارية للمنطقة، و قد كان لتقمص شخصيات يهودية في الفرجة، حضور وازن تجلى في شخصنة"عزونة" المرأة اليهودية التي يلعب دورها رجل، و " موشي" الذي يلبس جلود المواشي بلحية من شعر الماعز، و الفرقة المنتقاة لتأثيث المشهد الفرجوي تلبس ثيابا متميزة و مثيرة، و أقنعة ذات صنع محلي تضعها لتزين بها المواقف الاستعراضية، و تتنكر بها أيضا حتى لا يعرف عناصرها لدى القبيلة أو الدوار لتقمصها أدوار شخصيات يهودية، الأمر الذي كان يحملها على إعمال السرية في الإعداد لقصص متنوعة كان" لعزونة" التي تحولت فيما بعد إلى " سونا" دور أساسي في تمثيل مواقف ذات ارتباط بالموروث الشعبي الذي كانت تزخر به قبائل بني يزناسن، و من الوسائل التي كانت تستعمله الفرقة في إحياء طقس" سونا" المزمار و البندير، و قد كان الاحتفال يدوم لأسبوع من الفرجة على أن يتقلص إلى يوم واحد، ليندثر فيما بعد تاركا وراءه موروثا ثقافيا أصبح موضوعا خصبا للدراسة و البحث الأكاديمي. و من الشخصيات التي كان لها دور فعال في تنشئة جماعة "سونا" على مستوى بركان ما كان يعرف بلقب" الرودان" و "الشايبا"، كما ارتبط ظهورها بالأمازيغ الذين اعتبروها من الطقوس الاحتفالية بعيد الأضحى، ربما لدلالات تاريخية تعود إلى عهد كسيلة البربري الذي أهانه عقبة بن نافع حين أمره بذبح كبش، فتمسح الأخير الدم العالق بالمدية على لحيته و كأنه يتوعده بالانتقام، تبقى مجرد ارهاصات للنقاش لمعرفة مدى ارتباط هذه الظاهرة بالأمازيغ و جذورها التاريخية التي أهلتها للظهور.
مداخلات بعض الإخوة تعليقا على ذات الموضوع على صفحة الفيسبوك فضاء بني يزناسن
حلويات عيد الفطر
من العوائد التي يتم استحضارها لاستقبال أيام عيد الفطر، التحضير لأنواع معينة من الحلويات التي يشترك في إعدادها إضافة إلى الأهل بعض الجيران، في سمر يطول ليله بين صنع شتى الأصناف و الأشكال المتعارف عليها محليا، و تجاذب أطراف الحديث في مواضيع متنوعة تستهوي الأذن لسماعها، و ترفه عن النفس المثقلة بالمشاغل اليومية، و تحمل الجميع على المشاركة بأريحية في تنشيط الأجواء بمستملحات و أحاج عن الزمن الماضي، لم تكن الحلويات وحدها يلتم من أجلها الأحباب و المعارف، بل كانت أبعادها ترفيهية و إجتماعية، و تكافلية تعنى بمساعدة الضعفاء بكل مستلزمات العيد، و قد كان للنساء دور في البحث و التقصي لمعرفة ظروفهم من خلال استغلال تلك الجلسات التي تسبق يوم الفطر لإعداد الحلويات، ناهيك عما يدخله هذا العمل من ارتياح نفسي على الجميع، و هو ما يؤسس لثقافة التعاون و التآزر و الإحساس بالآخر، حتى و إن قل نظيرها مع ما حملته التكنولوجيا من تغييرات، إلا أن حضورها بين العائلات و الأحياء تتفاوت، و تكاد تنعدم عند آخرين بسبب شيوع الحلويات الجاهزة، التي قضت على كل تقليد كان يؤسس في عمقه لقيم مستقاة من مجتمع مصغر، يؤمن باحتواء الآخر و دمجه بينهم، و الاعتراف بوجوده كفاعل فعال يحتاج المؤازرة من الجميع، و لما غاب هذا التقليد أغلقت الأبواب، و تحصن أصحابها داخل بيوتهم في انزواء ينأى عن الآخرين و يباعد بينهم، فاندثر معه كل موقف يعبر عن سلوك إنساني اتجاه من يحتاجه. لم تكن النساء وحدهن تتقن لتك الجلسات الإعدادية للحلويات، بل الأطفال كذلك كانوا يتلهفون للقاء أقرانهم قصد اللعب و ممارسة أنشطة ترفيهية من جهة، و المشاركة في جلب الحاجيات الضرورية لصنع أصناف الحلوى من جهة أخرى، و الفتيات بدورهن إلى جانب مساعدة النساء في أعمالهن فقد كن توصلن الصواني الملأى إلى الفرن التقليدي، حيث تلتقين بأخريات لتتبادلن أخبار الحي و كل المستجدات المرتبطة بقاطنيه، و يتداولن في مشترياتهن من ألبسة العيد، و في طريقة قص الشعر، و في صلة الرحم مع الأهل و الأحباب التي ستكون خلال أيام العيد، و تستمر هذه الأجواء الممتعة إلى أن تصبح صواني الحلويات مستوية و مكتملة النضج، و قبل أن تصطحبنها إلى المنزل، يقوم عامل الفرن بأخذ حلويتين من كل صينية، على أن يتم جمعها و توزيعها بين العمال مساء، فكانت الفتيات تقابلن ما يقدم عليه الخباز بابتسامة و نفس راضية، و الشباب الذين كانوا يحيطون بجنبات الفرن كانوا يعرضون خدماتهم على فتيات الحي، ليساعدوهن على إيصال صواني الحلوى إلى منازلهن، كما كانوا حماة لهن إذا تعرضن لأي تحرش أو اعتداء من المتسكعين الذين كانوا قلة، كل هذا كان يتم بعفوية و تلقائية، فيها من التلاحم ما يشد قاطني الحي إلى بعضهم في لحمة متماسكة و كأنهم أسرة واحدة بأفراد كثر، يومها كانت القلوب عامرة بالحب الخالص و النقي من كل الضغائن و الأحقاد، و كان لنا الحظ أن عشنا بعضا منه و سط حي بسيط، و هو ما حملنا على النبش في الذاكرة و استحضار صور لذكريات خلت عن أجواء الاستعدادات لاستقبال العيد في فترة ليست ببعيدة، لكنها تستحق أن يحن إليها كل من عايشها، و يهفو إلى استعادة فصولها و ما كانت تحتويه من مظاهر البساطة و الطيبة و البراءة التي كانت تلف الجميع. إنه العيد و لن يفوتنا أن نهنئ كل الأحباب و الأصدقاء و عيد مبارك سعيد و كل عام و أنتم بألف خير. و لا يفوتنا كذلك أن نعبر عن كرمنا لندعوكم إلى تذوق حلويات بني يزناسن المصنوعة بالبيض.
طقوس الاحتفال بالمولد النبوي عند اليزناسنيين
دأب المجتمع اليزناسني بكل أطيافه على الاحتفال بعيد المولد النبوي، وفق طقوس مميزة فيها من التعظيم و التقدير لهذه المناسبة، مما جعلها تكتسي نسقا دينيا ملائما، فيها من التنوع و الامتزاج بين الثقافة المحلية و ما تتضمنه من أهازيج غيوانية راقصة، و بين ماهو روحاني فيه من المديح الذي يختص بذكر مناقب و خصال الرسول الكريم( ص)، و تقديم مواعظ مختلفة للإرشاد و الهدي، و تلاوة الأذكار، و سرد شذرات من حياته، فهو متعة روحية تسمو بالانسان و تقربه ممن اصطفاه الله و جعله أحسن الخلق، لذلك أصبح لهذا اليوم مكانة خاصة في المخيلة الشعبية الذي لا يقل شأنا عن باقي الأعياد الدينية، عندما تنسجم طقوس الاحتفال به مع تعاليم الاسلام في تهذيبها لتلك العادات و التقاليد، ليحدث التلاقي الذي يخدم فهم الدين و توسيع دائرته. قبل أيام من حلول العيد يقبل الناس على المحلات التي تعج بمعروضات تخص الإعداد لاستقبال هذا اليوم، فتقتني الصبايا مستلزمات الاحتفال من" دربوكة" و" شنشنة" و بعض الألبسة التي توافق الحدث، و كذلك الأطفال لهم طلباتهم من ألعاب نارية و غيرها، بينما تشتري الأمهات الحلويات و لوازم " بركوكش"، أما الرجال فلهم نصيبهم من المقتنيات المرتبطة بالألبسة التقليدية، من جلباب و بلغة لحضور حلقات الذكر و الأناشيد في مدح الرسول بالمساجد التي يمتد فيها الجو الروحاني لليلة بطولها. عند ليلة العيد تتزين النسوة و الصبايا باستعمال المواد التقليدية من كحل و سواك و تحنية الأيدي و الأرجل، فتلبسن أجمل الحلل و الملابس استقبالا لولادته( ص)، كما يستيقظ أهل البيت فجرا، حيث تطلق النسوة من فوق السطوح زغاريد متتالية فرحا بقدوم خير الخلق، على أن تبدأن بعد ذلك بإعداد أطباق الإفطار بما توفر من حلويات، و زميطة و مسمن الذي تحف به الموائد، و يتحلق حولها أفراد العائلة و هم ينتشون فرحة و سعادة بحلول ذكرى لها قدسية خاصة و استحقت منهم هذه الالتفاتة، على أن يفسح المجال للأطفال خلال الأسبوع بممارسة أنشطة و ألعاب تعبيرية تتوافق و رمزية هذا اليوم الذي يشهد ميلاد الرسول الأعظم، فتجد الصبايا يتحلقن في زاوية من أزقتهن ليندمجن في جو غنائي راقص يليق بالحدث، و لا تخرج كلماته عن سياقه المعروف و المتداول في هذه المناسبة، كأن يرددن أغنية ترسخت في أذهان الجميع ممن عايشوا مرحلة ليست ضاربة في القدم: - "آسيد الميلود زايد اليوم***آشرفا ركبو لعلوم" - "آجيرانا قولو لجيرانكم***النبي عندنا و اصحابو عندكم" - "آعيشة لا تركدي، حلي الباب و اتسنطي، الليلة إزيد النبي" - " أيا مداح النبي أيا مداح*** يمينة ولدت و حليمة ربات" - "سيد الميلود مكحلو بعيون*** مشا لخوالو ما بغاو يطلقوه ليوم" - " سيد الميلود في مغنية ***عرضولو يا الكومية" بينما الأطفال يتنططون هنا و هناك يجوبون الشوارع و هم يلقون المفرقعات، مرددين بدورهم تلك الأغاني الشعبية المعروفة التي يتشاركونها مع الصبايا، فالجميع ينخرط في هذا الجو الاحتفالي الذي يحتويه الشارع دون قيود، و لن يوقفهم عن ممارسة عوائده إلا حلول الليل، بينما النسوة يجتمعن في اليوم الثالث عند إحدى الجارات مساء، حيث يساهمن جميعهن بإعداد الأطباق المتعارف عليها في مثل هذه المناسبة و الأساسي فيها طبق" بركوكش"، ليليه أطباق أخرى لا تقل أهمية عن غيرها" الزميطة" و " تاقنتا" و حلويات محلية و فواكه جافة، لكن ما يميز هذه اللمة تلك الأجواء الإيمانية الروحانية التي تطبعها أذكار و تواشيح دينية، ممزوجة بأهازيج غنائية راقصة درجت عليها النسوة في هذه المناسبة، حتى باتت تشكل تراثا شعبيا لا حِدَا عنه لتأصله في مجتمعاتنا الاسلامية، فتكون فرصة لمنح القدوة للناشئة حتى تتشرب قيما مستقاة من طقوس و عادات لا تتعارض و تعاليم الإسلام. مناسبة عيد المولد النبوي تفتح شهية الزوايا لممارسة طقوسها بطرق لافتة و على أوسع نطاق، بعد الاستعدادات المكثفة لاستقبال الآلاف من مريديها، للمشاركة في إحياء الليلة الروحانية من ممارسة الحضرة على إيقاع ترانيم و ابتهالات تدغدغ المشاعر و تبعث على الخشوع، لتنتهي بهلوسات يتم فيها تغييب العقل إلى أن يحدث استرخاء كامل، و هو ما يفقدها طابعها الديني الذي ينهى عن مثل هذه السلوكات المبتدعة، كما تقدم فرقة متخصصة إنشادا مديحيا يضفي على الحفل ملامح إيمانية مشوبة بطقوس تتنافى و المغزى الحقيقي من إحياء ذكرى المولد النبوي، لتبقى فرصة تُستغل لنشر مبادئ الصوفية و استقطاب المزيد من المريدين، في انحراف واضح عن العادات و التقاليد المتبعة في مثل هذه المناسبة، و المتوارثة من إجل تأصيل تعاليم الدين الإسلامي، و إلى جانب هذه الأجواء الروحانية التي تطغى عليها ابتهالات و ترانيم فيها من الصوفية و تعاليمها ما تستلب العقول و القلوب، و تبعث على الانسياق دون إعمال الفكر، الربح المادي الذي يأتي على شكل هيبات من جهات مختلفة لدعمها و توسيع رقعة نشاطها، كما يتم استغلال هذا اليوم الاحتفالي بعرض بعض المريدين لسلع تتماشى و المناسبة و ترويجها قصد المتاجرة و ابتغاء الربح. إحياء هذه العادة الحميدة بطقوسها و شعائرها المتبعة قد تَحفَّظ في شأنها العديد من العلماء السلفيين الذين ذهبوا إلى حد تحريمها، بحجة أن التاريخ لم يشهد على النبي أن سبق له الاحتفال بمولده، فاعتبروها بدعة ينبغي تجنب الانسياق وراء مظاهر الاحتفال بها، خاصة تلك التي تحيي بها الطرق الصوفية هذه الذكرى، على اعتبار أنها ليست من السنة في شيء، كما يكون للاعتقادات الخرافية حضور في إقامة هذا الاحتفال، في حين اعتبروا كذلك الغلو في حب الرسول و تقديسه ما يقود إلى الشرك، بالاستغاثة به عند حلول المصائب و طلب مؤازرته عند الحاجة، لذلك وجب استغلال المناسبة بالقيام بتأطير ثقافي يعين على فهم عمق الدين، و تقنين الموروث الثقافي الشعبي، و تهذيب الطقوس و العادات التي تؤثثه حتى لا تتعارض و تعاليم الدين الإسلامي. فإذا وضعنا إحياء هذه المناسبة في سياقها التاريخي، فإننا نجد الموحدين الذي حكموا الفترة الممتدة بين 500 و 620 هجرية هم من قاموا بسن هذا التقليد صونا للدين الإسلامي و تقويته و السعي إلى انتشاره، لما رأوا المسيحيين بالأندلس يحتفلون بميلاد المسيح، فكان عليهم إظهار ملامح التميز حتى لا يفتتن المسلمون بتلك الطقوس الاحتفالية، فأبدع الشعراء من أجل ذلك قصائد تغنوا فيها بمناقب الرسول الأكرم و سيره العظيمة الحافلة بمواقف إنسانية و إيمانية تستحق التقدير، و جعلوا منها أداة سماعية لترسيخ أركان تقاليد و عادات لها رمزيتها الدينية حتى لا تتعرض للذوبان و الاضمحلال، مما حمل الكثير من المهتمين على حفظ تلك المقاطع الشعرية و الاستعانة بها لأدائها في المناسبات ذات الطابع الديني، و في الغالب ما يتم إنشادها بالمساجد و الزوايا، بينما يتغنى اليزناسيون بأغاني محلية تنم عن محبة و تقدير لشخص الرسول( ص)، التي تؤكد في مجملها على الارتباط الوثيق الذي يشدهم بالدين الاسلامي، و تصحح لديهم تلك المفاهيم المتعلقة بعلاقة المؤمن برسوله، لتلافي الغلو فيها، و الدعوة إلى الاعتدال بما يحفظ مبدأ التوحيد و عدم الشرك بالله، و لنا في تلك الأغاني نماذج نذكر بعضا منها: - " سعداتك آحليمة لي ربيتي نبينا *** هزيتيه فذراعك شكيتي بيه لمدينة". - "سعداتنا بيه بيه الله يرضي عليه *** الملايكة فالسما ذبحو أطعمو عليه ". - "الملايكة حبوني و اعطاوني تفاحة *** نمشي نزور النبي تم نصيب الراحة". - " آسيد الميلود آويريدة سعيدة*** بغين نزورك جات مكة بعيدة". - " آملود آملود النبي *** كاع الناس فرحانة بمحمد العربي" - "آعيشة لا تركدي آعيشة لا تركدي ***حلي الباب و اتصنطي و الليلة إزيد النبي *** يمينة ولدات النبي و احليمة رباتو *** و الصلاة مفروضة عليه و لي تبعو سعداتو" كل عام و أنتم بألف خير.
نشر هذا الموضوع على صفحة فضاء بني يزناسن بتاريخ 10 نونبر 2019 وهذه بعض الردود
طقوس العقيقة لدى اليزناسنيين
طقوس العقيقة تختلف حسب ثقافة كل عائلة و انتمائها الطبقي في المجتمع، لكنها تتشارك في الكثير منها، فهي مظاهر يغلب عليها الطابع الاحتفالي الذي تحكمه عادات و تقاليد تؤثث للفرح بقدوم ظيف جديد، يتم استقباله بالزغاريد المتواصلة، و الرقص على نغمات البندير إذا كان المولود ذكرا، كما تعلو صيحات القريبات من النساء بكنيته بألقاب متعددة من قبيل" الأمير، الوريث، السند، رجل البيت...."، تجسيدا منهن لأفضلية الذكر على الأنثى الذي يضمن حسب المعتقد الشائع و المترسخ في المجتمع الذكوري استمرار السلالة العائلية، كما يعطي للأم وجودا مميزا يؤخذ بعين الاعتبار في علاقاتها الاجتماعية، حيث تكون فرصة للتباهي بولادتها للذكور، و التفاخر بهم كسند و عزوة لها، و كدعائم تتكئ عليها الأسرة عند العجز و الوهن، و أخذهم لزمام المسؤولية، الأمر الذي يحمل جميع النسوة و أزواجهن إلى الاستمرار في الانجاب إلى أن يأتي الذكر الذي به تنعم الأسرة بالاستقرار النفسي بعد تحقيق المراد، و قد ظهر ذلك جليا عند استقبال المولود الذكر بثلاث زغاريد، و الأنثى بزغرودة واحدة، تميزا في إعلام الجيران بجنس المولود، طقس امتدت انعكاساته على أجواء الفرح بين المبالغة في ممارسة طقوسه من عدمه، و بين الكرم و الشح في المأكل و الشرب، و بين التبريك العائلي و عزوف بعضهم عن القيام بذلك، و في قيمة الهدايا المهداة في مثل هذه المناسبة، مما يجعل الاختلاف باديا في الاحتفاء بالجنسين، وهو تفكير له بواعث تاريخية، تجدرت و سادت ردها من الزمن حتى صارت صعبة الاستئصال، و في كل هذا فقد زحفت رياح التغيير المنادية بتصحيح المفاهيم و تجاوز معتقدات الجاهلية، و استطاعت القيام بحملات تحسيسية بالمغالطات التي تتلبس أفكار المجتمع في هذا الشأن، و لم تفلح في إحداث التغيير المناسب إلا بنسب متفاوتة. تبدأ مراسم الإعداد لاستقبال المولود الجديد من قبل الأم منذ علمها أنها حبلى، حيث تقوم و على فترات لكل منها أعمال تنجزها، حتى لا تفاجأ بالمخاض و لم تكن عندها قد أنهت ما في عهدتها من أشغال، تساعدها أمها في اقتناء ألبسة لها و لمولودها المرتقب، دون أن تنسى اللفافة" لكماطة" و اللوازم المرافقة لها، كما تقوم بمعية الأهل و الجيران بفتل" بركوكش" من دقيق القمح، و طحن" الزميطة" أو شراءها، و صنع " تقنتا"، و في عمل جماعي ينخرط فيه النسوة الجارات و القريبات، يقمن بإعداد أصناف الحلويات في جو تغمره الألفة و المحبة، في انسجام مقرون بفرح و انتشاء سعادة بانخراطهن في عملية الإعداد للعقيقة المنتظرة، و بين حين و آخر يندمجن في جو غنائي راقص ممزوج بزغاريد تصدح بها حناجرهن، و أحيانا يتقمصن أدوارا مضحكة كأن تلبس إحداهن جلبابا و تضع الصوف على وجهها لتقلد شخصية الجد في كلامه و حزمه، و في حركات بهلوانية منها تجعل الحاضرات ينبسطن مما تقدمه فتضفي جوا من المرح و الضحك، كما تتبادلن الحكي عن مواقف طريفة حدثت في الماضي، أو أحاج مسلية تستلهم سامعيها، و بين حين و آخر يتبارين في فك الألغاز التي تتباهى النسوة بقدرتهن على إيجاد حل لها، كلها ممارسات تنكه الأجواء و تستهوي المشاركات، و تدعوهن إلى العودة لاستكمال مراسم الإعداد القبلي للعقيقة. عندما يحين وقت الولادة تلازمها أمها أو إحدى أخواتها لتساعدها على القيام بلوازم البيت، و تعينها على قضاء حاجياتها، و" القابلة أو الولادة" ذات التجربة العريقة التي حنكتها، و جعلتها قادرة على ممارسة هذه المهمة رغم صعوبتها، هي من تتولى توليدها بالبيت بحضور الأهل و الأحباب، وقد تَعمَد عاقر إلى إدخال رجل المولود في فمها لحظة الولادة طلبا للإنجاب، كما يُستقبل المولود بصوت الآذان في أذنه اليمنى ثم اليسرى اقتداء بالسنة النبوية، يتكلف بتأديته الأب أو الجد، و بالزغاريد و الأهازيج الغنائية المتفاوتة بحسب جنس المولود، فتتجمع الجارات لمشاركتهن الفرح، و المساعدة في أشغال البيت، و الإعداد للعشاء الأول لمن حضر من الأقارب، يتولاه أصحاب البيت على أن يتناوب عليه أهل الزوج أو الزوجة بقية أيام الأسبوع، و في كل ليلة تؤدى فيها فقرات مميزة من أغاني الصف و الرقص على نغمات البندير، و الحكي المتبادل لأحاج و قصص بطولية عن الأجداد و طرائفهم، و التباري بفك الألغاز على من يأتيه الدور لإقامة عشاء على شرف الحاضرين، أما المرأة النفساء فيعدون لها مرقا بالدجاج البلدي و بعض الأعشاب من" راس الحانون" و غيرها تسمى في لغتنا المحلية" لقبوشة"، لكي تسترد قوتها و تؤهلها للإنجاب مرة أخرى، بالإضافة إلى شرب حليب ساخن ممزوج بحب الرشاد و أكل البيض البلدي، لتذر الحليب للرضيع، بينما يُقدم للمولود مشروب" اللويزة" لتصفية معدته، و لتجعله يرتاح في نومه دون ألم. في اليوم الثالث يتم دعوة النسوة مساء للاحتفال بالعقيقة و هن لابسات أحلى القفاطين أو " لبلوزة" التقليدية، حيث يتبركن للنفساء بالنقود حسب استطاعتهن، أو بأشياء عينية كالسكر و الخبز، فينخرطن في الأجواء الاحتفالية وفق طقوس نسائية خاصة بهذا اليوم، بينما تتزين المرأة النفساء بأحلى لباس أبيض لونه، و حلي و جواهر معدة للمناسبة، و استعمال الكحل و السواك، و تحنية أيديها و أرجلها بالحناء، و كذلك الرضيع تزين يده بخيط فيه تميمة و" لوبانا حمراء" و" ببوشة بيضاء" و" لفافة بالقماش" في داخلها" الحرمل و الشب"، كما توضع على صدره" خويمسة" لحجبه من العين، يقدم في هذا اليوم أكلة خاصة تُعرف في اللهجة المحلية " ببركوكش" البلدي المفتول بالأيدي، و ما تم إعداده من حلويات و مكسرات و" زميطة" و" تاقنتا"، بعد ذلك يتم توزيع الكحل و السواك على المدعوات، و تخضيب أيدهن بالحناء، على أن ينتهي اليوم بالدعاء للنفساء بالشفاء، و للمولود بطول العمر، و للعازبات بالزواج. خلال الأسبوع من ازدياد المولود يلتم أهل الزوج و الزوجة على وليمة عشاء يتناوب عليها أحدهم كل ليلة لاختيار الاسم، الذي يليق به و يتوافق عليه أفراد العائلة، فتبدأ الاقتراحات من الجانبين، ليكثر اللغط و التجاذب بينهم دون أن يستقروا على اسم، على أن يعاودوا الكرة في اليوم الموالي، و قد يشتد الخلاف ليبلغ ذروته أحيانا، فيحدث انفلات من أحدهم قد يؤدي إلى نزاع و تشنج، ليحتكموا أثناءها إلى" القرعة" كحل فاصل لإرضاء الجميع و تذويب الخلاف، أو ترك المجال للزوجين لإقرار الاسم الذي يريدانه، و قد تستفحل المشاحنة بينهما أيضا إذا تعلق الاسم بأحد الأصول، مما يعمق الخلاف أكثر قد يصل أحيانا إلى التهديد بالطلاق، فتتدخل العائلتين للفصل في الاسم المتنازع عليه، لتعود الأجواء إلى طبيعتها الاحتفالية، فتصدح حناجر النسوة بالزغاريد فرحا بالتوافق على اختيار الاسم الذي أخذ حيزا لا يستهان به من زمن التداول حوله لأهميته. في اليوم السابع تقوم المرأة النفساء بتحميم رضيعها، و تزيين عينيه بالكحل، و طلاء جبينه بسواد الفحم لدرء شر العين، و حلق شعره ليتم وزنه مقدار ذهب، و التصدق بقيمته نقدا اقتداء بالسنة النبوية، كما تقوم النفساء بتزيين نفسها بالمواد التقليدية من كحل و سواك و ارتدائها لباسا يليق بالمناسبة، استعدادا منها لحضور ذبح كبش التسمية، حاملة بين ذراعيها رضيعها، و قد يكون واحدا أو إثنين حسب جنس المولود، و قدرة الأسرة الشرائية، و عند الذبح بالتسمية المختارة تتعالى أصوات الحاضرين بالتكبيرة و الدعاء للطفل بطول العمر، و الحاضرات تطلقن زغاريد متتالية تعبيرا منهن عن الفرح بلحظة التسمية، ليندمجن في أهازيج غنائية متنوعة، في حين تبدأ" السخارة" بالإعداد للوليمة، استعدادا لاستقبال المدعوين بما يليق من طقوس التشريف و الترحيب من قبل أهل البيت، كما يتم مهاداة المرأة النفساء بهدايا متنوعة نقدية منها أو عينية، بينما يتداخل في إحياء الاحتفال بالعقيقة خلال هذا اليوم الطابع الديني، بحضور" الطلبة" لقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم، بأهازيج يتولاها النسوة لإضفاء جو من الفرح، تلك طقوس اليزناسنيين في الاحتفال بالعقيقة، توارثتها الأجيال و صمدت طويلا إلى أن بدأت تتأثر برياح التغيير التي هبت من جميع الاتجاهات بسبب الانفتاح على ثقافة الآخر، فتم إدخال مجموعة من العادات التي امتزجت بعاداتنا و أضحتها غريبة عن موروثنا الذي صنعه الأجداد، مما أتلف معه تلك الأجواء المرحة التي كانت تخلقها لمة الأحباب خلال مدة الاحتفال، و غابت فيها تلك الألفة و المحبة الصادقة بين مكونات العائلة، و حلت محلها طقوس اقتضتها دواعي العولمة، لكنها جرفت معها كل ما هو جميل، و اكتسحته لتبقي احتفالاتنا مجرد مظهر فارغ لا يُستدل به على شيء مما ابتدعه الأجداد و عاشوا عليه.
طقوس الختان عند قبائل بني يزناسن
ختان الذكور أو" الطهارة" تقليد أرسته بعض الديانات السماوية، و جعلت له طقوسا و عوائد يشترك فيها الجميع مع اختلاف في بعض الشعائر التي تميز كل منطقة عن أخرى، لكنها تتوحد في تمظهراتها العامة، فهي شعيرة ضاربة في القدم و ثابتة في شريعة اليهود، كما تعتبر من الأسس التي تنبني عليها عقيدتهم، و علامة تمنح صفة الإنتماء لديانتهم لتمييزهم عن باقي الشعوب، و قد أعطيت لها أهمية خاصة إذا علمنا أن عملية الختان تتم عندهم في اليوم السابع لميلاد الطفل و إن صادفت يوم السبت أو يوم الغفران، و وفقا لذلك فإن طقس الختان يعد لديهم أيضا حفل تسمية، الأمر الذي حملهم على إحاطته بهالة من التعظيم، و جعلوه أكثر قداسة و أرفع شأنا من تلك الأيام التي يمنع العمل فيها، حتى أن الطفل إذا مات قبل أن يكمل سبعة أيام من ميلاده فإنه يتم ختنه قبل دفنه، لأهمية هذه الشعيرة التي توصي بها جميع الأسفار القديمة، تميزا لجنسهم و إثباتا لأحقيتهم في كونهم الشعب الذي اختاره الله و اصطفاه، حتى اكتسبت قوة القانون عندهم، و قبل اليهود تعاطى المصريون بدورهم لشعيرة الختان، فقد أثبت الباحثون الأركيولوجيون من خلال نبشهم لحفريات و ثقافات ماضية، وجود رسوم على الجدار الداخلية للأضرحة تؤكد ممارستهم لهذه العملية، كما اعتمدها المسلمون أيضا اتباعا لسنة إبراهيم عليه السلام باعتبارها فطرة إنسانية أساسية، مارسها عرب الجاهلية كتقليد قبل مجيء الإسلام، و استحسنها لما وجد فيها من طهارة و نظافة، فقام بترسيخها و جعل منها طقسا دينيا وشرط وجوبٍ لاكتمال العقيدة، فهي سنَّة حميدة دأب عليها المسلمون و لم يذكر لها وصية في القرآن الكريم، و قد توارثتها الأجيال المتعاقبة و صبغتها بكثير من الطقوس المبتدعة التي منحتها طابعا شعبويا، من خلال التهييء للولائم و الأهازيج الاحتفالية و شراء الألبسة للمختون و الإعداد لليلة الحناء، على اعتبار أن هذا اليوم يعد فترة انتقالية يهيأ فيها الطفل لاستقبال الرجولة الموعودة، لذلك فتعظيما لعملية الطهور و حفاظا على البعد التراثي الثقافي الذي تختص به كل منطقة، و نظرا لمكانة شهر رمضان الدينية فإن أغلب العائلات كانت تحرص على ختان أبنائها في نصفه أو في ليلة القدر أو في عيد المولد النبوي، كنوع من البركة التي قد تحل في هذه الأيام المقدسة، لكن مع توالي الحقب التاريخية حدثت الكثير من التغييرات التي طالت مجموعة من العوائد، التي ساقها الإنسان معه و حملها في مخزونه الثقافي، ليؤثث بها ذاكرته الشعبية التي طبعتها بطقوس و تقاليد مختلفة، يصنع منها احتفالا يليق بعظمة يوم الختان. لقبائل بني يزناسن هي الأخرى عوائدها في ممارسة عملية الطهور التي أضحت جزءا من موروثها الاجتماعي الحافل بطقوس متجذرة تعكس تنوعها الثقافي، من حيث الإعداد لهذا اليوم من تحضير مسبق للحلويات المصنوعة من البيض بأشكال مختلفة، و مكسرات متنوعة حسب المتوفر في السوق، و كل ما تجود به البادية من زبدة و عسل و" زميطة" من أجل إكرام الضيوف بهذه المستحضرات التي تكون مرفوقة بصينية الشاي التي تتوسط الجلسة و يتولاها كبير القبيلة، و لن تُرفع إلا عند الغداء أو العشاء على أن ترجع لتأخذ مكانها فتُأثث الجلسة، ليحلو معها السمر و الحكي عن تجارب و مغامرات تستهوي السمع، و تشجع الجميع على الانخراط في تنشيط المدعوين بمستملحات تخفف عنهم العبء اليومي، فهي جلسة تكتسي طابعا عائليا تشارك فيها الجدات بما تجُدن به من ذكريات خلت، تؤرخ لمرحلة بتحولاتها الطقوسية لحفل الختان و النوادر التي صاحبتها، و في ذات الوقت تكون باقي النسوة منهمكات في ترديد بعض الأذكار و الأمداح المرتبطة بالمناسبة، باعتبارها شعيرة دينية تقننها تعاليم تستوجب التقيد بها، بل يتم تخصيص ليلة يغلب عليها الطابع الديني، يحييها فقيه الدوار بمعية فقهاء آخرين، حيث يُتلى فيها القرآن الكريم، و تردد فيها الأذكار مع بعض الأدعية للمختون الذي يتموضع بحجر الفقيه، و هو يدعو له واضعا يده على رأسه لتحل عليه البركة و تعجل بشفائه. استكمالا لطقوس التحضير لاستقبال يوم الطهور بما يليق به كمرحلة فاصلة في حياة الصبي، تقوم الأم بشراء ألبسة تقليدية تتكون من طربوش و عباءة بيضاء و بلغة و لوازم أخرى للتزيين، تعظيما و فرحا بهذا اليوم الذي سينقل ابنها إلى مرحلة تهيؤه لمعانقة مستقبل زاهر ينتظره، تتم عملية اقتناء التجهيزات خفية عن الصبي، حتى لا يتملكه الخوف فيصبح حبيس شعور قد ينغص عليه راحته، و يبعده عن صفاء الروح الذي ينبغي أن يستقبل به يوم الطهور، كما تخفي الأم جميع متعلقات الطفل من مقتنيات عن أنظار المدعوين إلى أن يحل اليوم الموعود، خلال هذه الفترة من الإعدادات يعامل الطفل معاملة العرسان، حيث تُلبى له جميع الطلبات و يولونه اهتماما زائدا و حنانا فياضا، و لاينبغي أن يتعرض لمضايقات من أحد، لأنه يعيش مرحلة فاصلة و مقدسة في حياته. في اليوم الذي يسبق يوم الإعذار يستحم الصبي لتقام حفلة الحناء وفق الطقوس المعمول بها، حيث توضع هذه الأخيرة في قصعة تتوسطها شمعة و بيضة طازجة، لتقوم الجدة أو إحدى العجائز بتحنية كفيه و رجليه، بينما المتبقى منها يعطى للقريبات العازبات علَّهن يظفرن بزواج في القريب العاجل، و كل ذلك يحدث وسط أغاني راقصة، و أذكار نبوية للحفاظ على صبغتها الدينية، و مستملحات تُذهب شبح الخوف الذي تستشعره الأم من جراء ما ينتظر ابنها، كما تقوم بعض النسوة بسرد مغامرات و تجارب الأجداد، و بعض النوادر حول ممارستهم لهذا الطقس، لما فيه من تقوية للعزائم و إذهاب للشعور بالخوف، بينما تتعالى الزغاريد و الأهازيج بين حين و آخر لتنكيه الأجواء بالفرح. بعد التحضير ليوم الختان بكل ما يلزم للاحتفال به، تقوم الأم صباحا بإلباس عريسها الصغير ألبسته التقليدية من طربوش و سروال و عباءة بيضاء و بلغة، و هو ينتشي فرحا بها ببراءة فَطَر عليها دون أن يساوره إحساس بما ينتظره من ختن ذكره، كما تضع على رجله اليمنى خيطا به ما يسمى" بالودعة"، و هي عبارة عن" حلزون أبيض صلب" و" لوبانا يميل إلى الحمرة" و لفافة بها مواد مثل" الحرمل" و" الشب"، و تميمة، حسب المعتقدات الشعبية المبتدعة التي لم يكن لها وجودا عبر السيرورة التاريخية للمظاهر الاحتفالية بعملية الطهور، حيث امتزجت الشعوذة بالطقوس الدينية الصرفة، التي كان القصد منها إبعاد الضرر و نحس العين عن الصبي، و بعد إفراغ الأم مما كانت منهمكة فيه، تشد ابنها إلى جانبها و لا تفارقه إلا إذا أتى حجام القبيلة الذي يتميز بحرفية تامة اكتسبها بتجاربه العريقة في هذا الميدان، فهو يمارس مهنة الحلاقة إلى جانب ختان الأطفال، و قبل وصوله يتم استحضار قفة مملوءة بالتراب، و قصعة بها ماء تتوسطها بيضة طازجة و ديك بعرفه المتوج فوق رأسه، و عندما يحل الحجام و مساعدوه يسلمونه الطفل ببراءته و خلو ذهنه و صفاء سريرته، في هذه الأثناء تقوم الأم بجرح عرف الديك حتى يسيل دمه، لئلا يشعر الصبي بالألم حسب المعتقد الشعبي الرائج، ثم يتم ذبحه و طهيه ليشرب الطفل مرقه بعد ختانه ليعوض الدم الذي نزف منه، و بينما يكون بين يدي الحجام يضع مساعده حجابا بإزار يفصلهم عن العالم الخارجي، و لا يحق للمرأة أن تحضر عملية الختان، و كذلك الأمر بالنسبة للأب ليبقى الاحترام متكاملا بينهما، و الأم بدورها تتزين بما لديها من حلي، فتتوسط النساء واضعة رجلها اليمنى في قصعة مملوءة بقليل من الماء بداخلها بيضة طازجة، تعض بنواجدها" مسياسا من النقرة" في حرص منها أن تكمل هذا الطقس إلى نهايته بنجاح، و النسوة يُحِطن بها و أصواتهن تصدح بأغان و زغاريد على نغمات البندير حتى لا تتأذى الأم بصراخ الابن، و في غمرة الأهازيج الاحتفالية تردد النسوة بفرحة عارمة غيوانا كلامه موجه إلى الحجام، ليستعجل الختان" الحجام خَفْ إيديك محمد بين إيديك"، في هذه الأثناء يكون الحجام قد أزال اللحمة الزائدة من على الحشفة، فيقوم مساعده بتسليمه إلى إحدى القريبات العازبات لتضعه على ظهرها، فتحوم به حول أمه سبع مرات دون أن تنبس الأم ببنت شفة، ثم تحمله إلى فراشه المرتب سلفا، و لا تتحرك من مكانها و رجلها وسط القصعة إلا إذا هاداها زوجها بما يرضيها من نقود أو أشياء عينية، لتلتحق بجانب صبيها و لا تفارقه حتى يشفى، أما ماء القصعة فيوزع على الحاضرات للدهن طلبا للشفاء من الأمراض، بينما الجلدة المُزالة فتتولى إحدى العجائز دفنها في نفس المكان الذي أزيل منه تراب القفة، كما يُحتفظ بدم الختان في قماش ليصنع منه حجابا واقيا، أما خيط الطهور فيمنح للقريبات في رمزية إلى الحفاظ على شرفهن، في حين أن الطربوش تتمسح به العاقر طلبا للإنجاب، معتقدات مبتدعة غلبت عليها الشعوذة، و أفقدتها تلك الخاصية الدينية التي يقصد بها خروج الفرد من النجاسة إلى حالة النقاء لذلك سميت" بالطهارة". بعد عملية إعذار الطفل تبدأ النقوط النقدية و ما شابه ذلك كنوع من التبريك، ينخرط فيها جميع الأهل و الجيران و الأصدقاء وسط أهازيج غنائية و زغاريد تطلق بين الفينة و الأخرى تكرما على الطفل و إفراحا له، كما يتم مهاداة أسرة المحتفى به بطقوس مختلفة و مثيرة، حيث تعلق النقود بعلم أبيض يُحمل في مسيرة تمتد إلى غاية منزل الصبي المختون على نغمات" العرفة" و زغاريد النسوة ليسلم إلى الأم. طقوس متنوعة تختلف من عائلة إلى أخرى و من قبيلة إلى أخرى، لتشكل بهذا التنوع إرثا ثقافيا ذا بعد ديني و اجتماعي، يضاف إلى الذاكرة الشعبية التي تحتفظ بالشيء الكثير، لتغني موروثا افتقد إلى من يجمعه و يعرِّف به.
زمن إخراج الصدقات للأطفال في الشوارع
من العوائد التي لقيت لدينا استحسانا، و كان لها انتشار واسع في الأوساط الشعبية قبل أن تبدأ في التراجع، تلك الصدقات التي كان يقدم طعامها للأطفال في الشارع على بساط الأرض إما نذرا أو ابتغاء أجر و ثواب من الله، أو ترحما على فقيد، أو نجاحا أو وظيفة، فقد كانت الأسباب متعددة و الكرم من شيم أصحابه لا ينقطع، الفرحة الممزوجة بلهفة الأكل لما استبد بهم الجوع، جعلها بادية على وجوههم و هم يتحلقون حول صحن الطعام بانتظام، في جو يجمع بين النكتة و الشيطنة عندما يبادرون إلى التهام اللحم بنهم" التَّالِي مَا يَلْحَكْشْ"، الحاذق منهم من يختطفه ليولي هاربا، يقتسمه و من تمكن باللحاق به، ثم يتحايل الآخرون بمسكنة إلى طلب المزيد، علهم يرفقون بهم فيمدونهم بما يشتهون، أو يقوم أحدهم بإيهام أهل البيت بأن أطفالا آخرين قد التحقوا بهم طمعا في إكرامهم، فيكون لهم ما أرادوا ما دام طعام الصدقة موجه إليهم، رغم أنهم مدركون للحيلة التي فبركها الأطفال، إلا أنهم يتقبلونها برضا و سخاء مدعين أنها قد انطلت عليهم، فيزيدونهم لحما و هم يترقبون نزوله بالصحن بحذر شديد، حتى لا يكون مآله الخطف كما السابق، فيطلبون من حاملته إليهم أن تقتسمه بينهم بالعدل و هم يلتفون حولها، و يتنططون فرحين مما قد تُناوِلُه لهم ليتلذذوا بأكله و يستطعمونه رافعين أكفهم إلى السماء مرددين" آمين" بعد الدعاء الذي تلته إحدى النساء لأهل الصدقة، ليتحقق لهم المراد الذي يرتجون من صاحب الرجاء، لأن دعوة الأطفال لصفاء قلوبهم مستجابة" النية بالنية و الحاجة مقضية"، يحصل ذلك و الجميع متربعون على الأرض في تعبير منهم على المحبة الطفولية ذات المعنى الحقيقي التي جمعت بينهم، و جعلتهم سواسية لا يعرفون للتفاضل جدوى عندهم. مباشرة بعد أن تمتلئ بطونهم فإنهم يستأنفون اللعب على أنواعه، ليأخذ بهم مأخذه فيندمجون فيه بانهماك تام، و لا تكون لهم رجعة إلى البيت إلا مع مغيب شمس النهار، بعد أن يكون التعب قد نال منهم و أنهك قواهم، و صاحب الحظ التعيس من ينتظره السؤال في البيت و التحقيق معه عن سبب غيابه، ليصدر في حقه عقاب بعدم الخروج غدا للعب مع الأتراب، إلا لشروط ينفذها و سيكون له الانعتاق من المحبس المنزلي، أثناء الغياب يفتقده الأطفال، و تجدهم يذهبون إلى باب بيته يتوسطون له لدى أمه التي تتمنع، صارخة في وجوههم أن لا يعودوا إليه ثانية، فيعيدون الكرة مرات و مرات إلى أن يتأكدوا أن العقاب منفذ لا محالة، لكنهم لا يتركونه يعاني المحنة لوحده، بل تجدهم يقتربون من بيته ليشاركهم اللعب من النافذة التي يطل منها، تستمر الحالة على شاكلتها إلى أن يحدث الانفراج بعد السعي المتواصل من الأطفال لفك حصاره، لقد كانوا سلسلة واحدة تلمهم، حلقاتها مرصعة ببراءة الطفولة تنمو مع نموهم باستمرار، تجعلها متشابكة و منسجمة لا يمكن الاستغناء عن إحداها. من ظواهر التكرم على أطفال المدارس أو الحي و أنت في ذهاب و إياب مع الأقران، تفاجئك امرأة أو فتاة خارجة من منزلها و بيدها طبق من الحلفاء يتوسطه خبز يفور سخونة، و على جانب منه تمر و بعض الحلوى، لتوزعه على الجميع و هي تطلب منهم ترديد" آمين" لعل الله يستجيب لدعائها، تلك رحلة الأطفال مع الصدقات، لم تكن تقتصر على حي دون آخر أو مدينة دون أخرى، بل كانت ظاهرة منتشرة و منفردة عند المغاربة لكرمهم رغم بساطة عيشهم، لا أعتقد أن أحدا لم يكن له نصيب منها، كما أستبعد أن ينسى تلك الوجوه التي قضى معها ردحا من زمن الطفولة و الشباب، كما لا ينسى أيضا تلك الوجوه التي كانت تنفق بسخاء لأجل رسم الابتسامة على محيا الأطفال، وجوه مرت علينا و أحببناها و لا زال طيفها يحضرنا باستمرار و لن يطويه النسيان مهما بلغنا من الكبر، و ستبقى حية في الذاكرة. تصدقوا على الأطفال فلن ينسوا لكم صنيعا مهما بلغ . بهم الكبر عتيا
الكعك المخمر: كيف يمنحه الفرن التقليدي طعمه الفريد
كلما حل عيد الفطر، تنطلق الاستعدادات لصنع الحلويات أو شرائها جاهزة، لكن يبقى للكعك المخمَّر مكانة خاصة في الذاكرة والوجدان. فهو ليس مجرد حلوى، بل رمز لتقاليد قديمة تجمع الأهل والجيران في طقس احتفالي مفعم بالدفء. كانت تحضيرات الكعك تمتد طوال الليل، حيث تنشغل الأيادي بالعجن والتشكيل، بينما تمتلئ المجالس بالحكايات والمستملحات الضاحكة، وكأن العيد يبدأ لحظتها قبل موعده. لا تكتمل خصوصية الكعك المخمَّر إلا بخبزه في الفرن التقليدي، الذي يمنحه طعمًا فريدًا ورائحة تأسر الحواس قبل أن ينضج تمامًا. هذا الفرن المصنوع من الطين والحجارة، يضفي على الكعك نكهة لا يمكن مضاهاتها بالأفران الحديثة. فبفضل طريقة احتباس الحرارة داخله وانتشارها بشكل متوازن، يكتسب الكعك قشرة ذهبية مقرمشة من الخارج، بينما يبقى هشًا وطريًا من الداخل، محتفظًا بكل عصارته الطبيعية. لكن أكثر ما يميز هذا الفرن هو الرائحة التي تتصاعد منه مع نضوج الكعك، رائحة تمتزج فيها حرارة النار بدخان الحطب، فتملأ الأرجاء بعبق يوقظ الذكريات، ويفتح الشهية قبل أن تكتمل عملية الخبز. فكثيرًا ما كان الأطفال يتحلَّقون حوله بلهفة، غير قادرين على مقاومة سحر الرائحة، يتطلعون إلى لحظة إخراج الكعك، وكأنها إعلان غير رسمي عن قدوم العيد. ورغم أن الزمن قد فرض بدائل أسرع وأكثر عملية، فإن الفرن التقليدي يظل سرَّ تلك الخصوصية التي تجعل الكعك المخمَّر أكثر من مجرد خبزٍ حلو، بل تجربة متكاملة تحمل في طياتها عبق الماضي ودفء اللقاءات العائلية. لكن هذا الطقس الذي كان يجمع القلوب قبل الأيادي، بدأ يخفت بريقه شيئًا فشيئًا. لم يعد الكعك كما كان، ولم تعد تلك اللمة التي كانت تضفي عليه نكهة من المحبة والتكافل. فوسط زحام الحياة الحديثة، تلاشت الطقوس، وحلَّت السهولة محل الجهد، فصار الكعك يُشترى جاهزًا، فاقدًا جزءًا من روحه التي كانت تتشكل في دفء الليالي الطويلة، حيث يجتمع الصغار والكبار على مائدة الفرح، منتظرين لحظة اقتسامه بطعم الذكريات.