محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
قصص صغيرة
بقلم الأستاذ الناجم شريفي
الناجم شريفي من مواليد 1956 بقرية واواللوت ببركان. أستاذ التعليم الابتدائي منذ سنة 1977 . أب لثلاثة أطفال و جد لأربعة أحفاد. يهوى المطالعة و التواصل بلغات مختلفة.
قــــــــائمـــــــة محتــــــويــــــــات الصفحــــــــــة قارابوس آلـــــڭــــطـــــايـــــة عزي الحاج " بوقلوز " أَرَّافْ بلال الفاكانسي الجد و الحمار نوسطالجيا رسالة إلى أبي
قارابوس
قارابوس شخص غريب الأطوار، لا أحد يعرف كيف جاء للدوار، أصلع الرأس، لحية لم تحلق منذ زمن بعيد، ملابس رثة لا تتغير بتغير الفصول، يمشي حافي القدمين و لا يحدث أحدا، تنبعث رائحة كريهة من جسده الهزيل. نسب لعدة قبائل و نسجت حوله حكايات كثيرة ، قيل أنه كان نزيل إحدى السجون و قيل أنه ضحية شعوذة من طرف زوجته و أغلب نساء الدوار يعتقدن أنه " ذا مْرابط"(1) و رغم كل هذا لم يستطع أحد فك هذا اللغز المحير و لا اللغة التي قد يتحدث بها. اتخذ من بيت مهجور إقامة له بجانب النهر ، يزوده الشباب بالسجائر و لما يشعر بالجوع يخترق الدوار. توفي " عزي الموح" و الذي كان من أكرم الناس له، فكان العزاء و" الطَّلْبة"(2) و الورْقة(3) و المرقة طبعا. اقترب قرابوس من بيت الهالك ، لم يسمحوا له بالدخول أمروه بالجلوس تحت شجرة التين ، أحضروا له طعاما فامتنع عن الأكل و الجلوس. كلمح البصر تسلل إلى البيت و جلس و سط الطلبة . انبهر الجميع لذلك و ما زادهم انبهارا انخراطه الفوري في تلاوة القرآن الكريم بكل تمكن. و في كل استراحة بين القراءتين " يفتح" قارابوس سورة منطلقا من جديد فيضطر الطلبة إلى مرافقته و أحيانا يواصل لوحده، عياء كبير لم يعتادوه منذ بداية مشوارهم المهني الطويل. رق ابن الهالك لحالهم فأخرجه من الغرفة مقابل علبة سجائر و بكل احترام و لباقة. 1: ولي صالح 2:قراء القرآن في المناسبات 3: ورقة نقدية تعطى للطلبة مقابل القراءة : Mohammed Be هذه القصة أنا كنت شاهدا على شبيهتها. مند أكتر من 20 سنة في جبال ورطاس كان هناك شخص قوي البنية شبه عاري وحافي القدمين يسير كثور في الوديان كان يكلم نفسه، أرعبنا حين قام بأخذ طعامنا كنا في رحلة بعدما انتهى من الأكل بدأ يقرٱ القران بصوت لم نسمعه من قبل كانت قراءة صحيحة كالتي نسمعها اليوم في الفضائيات كان صوته يخترق الجبال عند سماعه تشعر بأن الجبال ملكه، عند انتهائه توجهنا إليه في حيرة منا كان جوابه أنه كان من المجاهدين في الشيشان وقد قطع سنين لرجوع إلى الوطن وقال في الأخير أن الجبال أصبحت موطنه. الناجم شريفي : مغزى القصة : إني أتحدث عن شخص يبدو معتوها و كل الساكنة تعامله باحتقار ليتبين انه يحمل كتاب الله . بمعنى علينا ألا نحتقر أي إنسان وننظر إليه بنظرة ناقصة لأننا لا نعرفه.
آلـــــڭــــطـــــايـــــة
اعتبرت" الكطاية" عند المغاربة قديما رمزا من رموز الرجولة، أي الرجولة بمفهوم تحمل مسؤوليات الحياة في العمل و مساعدة الوالدين و طاعتهم و توفير لقمة العيش للزوجة والأبناء. لذلك تترك " الكطاية " على رأس الطفل لتواصل معه رحلة الحياة عبر كل مراحل عمره كوسام للرجولة. وإذا بلغ الشاب أشده و لم يتحمل مسؤولياته بالوجه الأكمل يهدده والده بالعبارة الشائعة الإستعمال" و الله لا طفرتيه" و الأصل هو "والله لا ظفرتيه" بمعنى لن يستمر في ظفر الظفيرة التي هي " الكطاية". و هكذا و في حالة ما إذا لم يقم الشاب بالواجبات المنوطة به يحلق الأب " الكطاية" من رأس ابنه و لن يستمر الشاب في ظفرها ، الشيء الذي يعتبر و صمة عار على فاقد" الكطاية"و بالتالي يصبح محطة استهزاء و مهزلة من طرف ساكنة القبيلة التي ينتمي إليها. كتبت المقال بناء على شهادة شفوية لشيخ مسن
عزي الحاج " بوقلوز "
" عزي "(1)الحاج عزي الحاج " بوقلوز "رحمه الله و المعروف عند ساكنة الدوار ب" لمقدم" يرجع له الفضل في سن عرف بالدوار يتم بمقتضاه تقديم و جبة العشاء للنساء قبل الرجال. فقد كان من قبل بمجرد ما يتعشى الرجال ، يخرج البعض منهم من " بيت الفرح" و ينادون على زوجاتهم للعودة إلى البيت و إذا قيل لأحدهم زوجتك لم تتعش بعد شعر بمس في رجولته و تحد لسلطته، فيلح على المناداة عليها و لن يبرح مكانه حتى تأت ليقودها إلى البيت دون عشاء. توفي عزي الحاج تاركا وراءه كل نساء الدواريدعون له بالرحمة و المغفرة و عرفا ما زال ساري المفعول. (1) بمعنى عمي أو عزيزي بالامازيغية.
أَرَّافْ
على غير عادته التحق المعلم بمدرسته متأخرا تحت وطاة حرارة شديدة. فتح باب مسكنه، اعترضت طريقه خيوط عنكبوت متشابكة ، بحركة غير مبالية أزاحها عن وجهه. وضع زاده في بيته و خرج يبحث عن التلاميذ ليدخلهم حجرة الدرس و يرسل البعض منهم بحثا عن الماء فلم يجد لهم أثرا.. من بعيد كانت تصله ذبذبات عويل و صراخ متقطعة... صعد هضبة بجانب المدرسة فإذا بهم تائهين في لعبة " أراف" هذه اللعبة التي يمارسها أهل القرية منذ زمن بعيد حيث تحتاج فقط لحجارة و مجانيق من الحلفاء أو الدوم لقذفها. كان أطفال آيت اعمر على جهة و في الإتجاه المعاكس صغار آيت يحيى و الحجارة تتقاذف بينهم و الفريق المنتصر هو من يصيب أكبر عدد من المشاركين في فريق الخصم خاصة في الرأس، و ما أصاب غير الرأس يعتبر ملغا على أن يتم تبادل البلاغات عبر الكبار إبان انتظارالصلاة و بعدها. و رغم انشغالهم باللعب أدركوا مجئ المعلم بواسطة التلاميذ الجبناء الذين يجلسون فقط للتصفيق و التشجيع. لم يكد المدرس أن ينزل من برج مراقبته حتى اصطف التلاميذ قبالة قسمهم، بعضهم ما زال يرتدي ملابس العيد الجديدة، و البعض الآخر تبدو الحناء حمراء بيده و كأنه يمسك بجمرة متقدة في ليلة مظلمة. دخل الجميع ، فتح المدرس مذكرة دروسه، عن العيد دار حديثه لهم و هم يجيبون بعزم و تلقائية و تشويق: أعطاني أبي أربعين دورو.... و خالتي خمسة و عشرين دورو.... بهذا التمهيد شوقهم المعلم إلى درس جديد في الرياضيات حول النقود.
بلال الفاكانسي
على متن الحافلة القادمة من " استراسبورڭ" عاد بلال من اسبانيا لقضاء عطلة قصيرة مع أهله. نزل من الحافلة بشارع محمد الخامس ببركان بالقرب من مقهى البستان وواصل عودته للقرية بواسطة النقل المزدوج. عودة ليست كالمعتاد، يوم كان يلتحق بالبلد بسيارة محملة بهدايا و سلع من دراجات هوائية و ظلات شمسية و كراسي شاطئية و أواني منزلية.... سلع كان يعرضها كل يوم ثلاثاء بسوق "ازماڭرية" ببركان ما زلت أتذكره يوم كان يعود بسيارة " خارجية" بصدر عار و نظارات شمسية و سلسلة غليظة في العنق كتلك التي تساق بها الكلاب و موسيقى صاخبة تمزق هدوء الدوار. ...[…] ما زلت أتذكره لما طلب منه أحد الجيران المشاركة في موكب عرس ابنه، نظف بلال سيارته بقناة الري" ملوية" المجاورة للقرية و زينها بشكل زاه يروق العين بشارع الحب ببركان. مر العرس و بقي بلال محافظا على ديكور سيارته حتى آخر يوم من عطلته. بالمسجد هذا المساء تأسف إمام المسجد لحال بلال، لم يعد يتسلم منه الإكرامية التي عوده عليها كل سنة. كانت " التدويرة" هذه السنة هزيلة جدا مقابل أدعية من الدرجة الثانية فقط. سأله الإمام باستحياء مزيف: إوا السي بلال كيدايرا اسبانيا؟ ، بزفرة بئيسة أجابه: أودِّي ألفقيه (la crisis (1 مبقى ميدَّار تَمَّا. (1) الأزمة باللغة الإسبانية.
الجد و الحمار
لشمس تنزل بكل قوتها، يصعب الخروج إلى الحوش، بالنافذة قدح الماء الطيني في مهب التيار الهوائي لعل الماء يبرد قليلا. خارج البيت الدجاج تحت ظل أشجار التين، إنه فصل الصيف. مباشرة بعد الغذاء تدخل الأسرة في قيلولة عميقة تصحو منها و كأنها استيقظت صباحا، يومان في يوم واحد تفصلهما القيلولة اللذيذة. يعود الجد من السوق الأسبوعي و ملامح العياء بادية عليه، ينزل من فوق حماره، فتسرع الزوجة لمساعدته، تنزل القفة الثقيلة ثم تضع الدلاحة الكبيرة بأحد أركان الغرفة على الزليج مباشرة لتمتص من برودة أرضيتها. يتحلق الأحفاد حوله فيخرج كيسا بلاستيكيا من جيبه و يوزع عليهم قطع الحلوى هذه الحلوى التي لا تباع إلا يوم السوق الأسبوعي، و بابتسامة خجولة يهدي زوجته قطعة كذلك. يسوق حماره إلى مربطه تحت شجرة الميموزا ، يجرده من بردعته و يضع أمامه ماء و تبنا، يتشمم الحمار الماء ثم يشرب بنهم، يمكث الجد بجانب الحمار لحظات حتى يراه يقضم التبن . ليطمئن على صحته. أرغمت الشيخوخة الجد على إلزام فراش المرض ثم أفقدته ذاكرته، لم يعد يتذكر أحدا من أهله إلا الحمار. كلما زاره أحد من أقربائه سأل عن الحمار قائلا" أُورْ تَدْجَمْ أَغْيُولْ زُو لاَزْ قَوَيَسِّوِيلْ شَا" (1) (1) لا تتركوا الحمار جائعا إنه لا يتكلم.
نوسطالحيا
_ بويقشار (1)1960. عمي الميلود "البراح" يجوب أزقة الحي داعيا الساكنة للإلتحاق بدار عمي حماد لتسلم "المعاونة" . التحقت رفقة أخي الأكبر وأحضرنا قدحا قصديريا بوزن خمسة كيلوغرام به شحم يشبه شحم محركات السيارات توضع ملعقة منه في قِدر البطاطا لإعطائها مذاقا دسما لأن اللحم لم يكن في متناول الجميع إلا مرة يوم الثلاثاء ، يوم السوق الأسبوعي بمدينة بركان. عانقت قدح الشحم بين ذراعي وحمل أخي كيس الدقيق الأبيض الناعم على كتفه وعدنا إلى البيت بخطى سريعة. سعدت أمي كثيرا بالدقيق الذي كانت تخلط قَدرا منه مع دقيق الشعير لإعداد الخبز واحتفظت بكمية منه لحلويات عيد الفطر. على كيس الدقيق صورة يدين متصافحتين كنا نؤولها ساخرين بعبارة" اتهلا فالخاوي" ، فعلا كانت أمي "تتهلا فالخاوي" وتصمم لنا منه سراويل ومحافظ أنيقة آنذاك. شهور قليلة ويعود "البرّاح" إلى دعوتنا لكن هذه المرة إلى مستشفى الدراق لتسلم مساعدة الصليب الأحمر . رافقت والدتي باكرا أما أخي الأصغر فقد كان طريح الفراش ب" بوحمرون" وقد لفّت أمي رأسه بقطعة قماش أحمر في انتظار يوم السوق ليحضر له والدي " كرعين العنزي" امتثالا لتعليمات "لالة احليمة" طبيبة الحي التقليدية. طابور طويل من النساء رفقة صغارهن . وصل دورنا ودخلنا، أكوام من الملابس المستعملة ورجل ضخم أشقر اللون لا يتحدث بالعربية ، يرتدي وزرة بيضاء ونظارات طبية وملامح النعمة بادية على وجنتيه. نظر إلي مبتسما وقال مازحا "موتشاتشو" (2) لمس وجنتي بأصبعيه ومنحني الملابس التي أرتديها على الصورة، قميصا وسروالا قصيرا، سعدت بها كثيرا فالملابس البالية في أعين الفقراء جديدة. فمن يكون يا ترى هذا الطفل الأوروبي "جان" أو"جاك" الذي أهداني ملابسه؟ عدنا زوالا إلى بيتنا واحتفظت بها أمي في خزانتنا الخشبية لعيد الفطر إلى جانب حايكها "العشعاشي" الذي ما زال ناصع البياض منذ زواجها نظرا لندرة الخروج من البيت. تحياتي الخالصة لكل المتصفحين. (1) أحد الأحياء القديمة بمدينة بركان (2) طفل صغير بالإسبانية.
نوسطالحيا رسالة إلى أبي
أبي الغالي ،السلام على روحك الطاهرة. كم هو جميل أن أستحضر بعض الذكريات لمجرد رؤية صورتك، فأشعر بأواصر الفرحة والبهجة وأنا أعيد تذكرها كأغنية عذبة خاصة لما تقدم بي العمر وأصبحت الذكريات هي الزاد الوحيد في مواجهة الحياة. وكم هو أجمل لما أؤثث بها فضاء هذه الصفحة الرائعة.. ما زالت ذكرياتك عالقة بالذاكرة إلى جانب تلك الجلسات التي كنت تتحفنا بها كل مساء في فصل الشتاء تحت رحمة ضوء القنديل اليدوي ودفء الكلمات. لم يكن لدينا تلفاز نتحلق حوله ولا كهرباء لنرى بعضنا البعض مساء بوضوح. المذياع رقم 8 كان هو الوسيلة الوحيدة التي تربطنا بالعالم الخارجي لتزداد قيمته في البيت فيما بعد مع بث مسلسل" الأزلية". ما زلت أتذكرك وأنت تحكي بمرارة كيف هاجرت من دوار سيدي عبد المومن بالسعيدية إلى بركان رفقة أمي وجدتي. لم تكن مدينة بركان مسقط رأسك ولا مهد طفولتك بل كانت مصدر لقمة عيشك. أسكنك أحد أثرياء العائلة بمنزله الموسمي ببساتين واواللوت مقابل سقي الأشجار وحراسة الغلال. كان يتحرك ضمن الحركة الوطنية لمناهضة الإستعمار بين بركان وفاس. وبمجرد إنهاء مَهمته طردك من منزله ليستقر بك الحال بعين السلطان. هذا البيت الذي لم يعمر طويلا حيث جرفه فيضان نهر ورطاس وأرغمك على المغادرة لتحط الرحال على بعد خطوات قليلة بحي بويقشار وتمكنت من إيجاد شغل عند المعمر الفرنسي " سيك سيك" . يتوقف الأب عن الحكي ، يصمت قليلا، ثم يواصل: لما أراد سيك سيك العودة إلى فرنسا بعد الإستقلال طلب مني مرافقته ومواصلة عملي هناك لكن جدتك رفضت هذا الإقتراح رفضا قاطعا بقولها : " واش تمشي لفرنسا تلف قبرك؟" . عاد سيك سيك إلى وطنه وتركك تكدح في ظروف قاسية في انتظار بلوغ الأبناء سن العمل. ويبقى السؤال: لو ذهبتَ رفقته، هل كانت حياتنا ستأخذ مجرىً آخر؟. ما زلت أتذكرك لما بلغتُ سن التمدرس حذرتك جدتي من إدخالي مدرسة البعثة Hector Berlioz خوفا من تعلم لغة الكفار وكانت تحرص كثيرا على إدخالي كتاب الحي حتى أحفظ القرآن الكريم وأتعلم الصلاة وأكتسب الحكمة والعزيمة. وأخيرا استقر الرأي على ولوجي مدرسة ابن هانئ الأندلسي في أول موسم دراسي لها والمعروفة آنذاك ب"لبرارك" باعتبار أنها الأقرب إلى حي بويقشار مقارنة مع "ليكول لحمر" و" ليكول لصفر" و" ليكول gabizou". ما زلت أتذكرك لما كنت تجلسني بجانبك وتأمرني بكتابة ما تعلمته بالمدرسة على اللوحة الحجرية وأستظهر ما حفظت من القرآن الكريم. وكلما تعثرت لطمتني على مؤخرة العنق بيدك المتشققة، كان تعثري بالنسبة لك هو عدم الحفظ حتى بلغتُ المتوسط الأول فأخذت أدرك بأنك لم تكن تعرف القراءة والكتابة.... تحية صباحية لكل المتصفحين ويوم مبارك سعيد للجميع.